النظريات القديمة والجديدة للمشاريع المتعددة الجنسية

منظورات مختارة، والبحث عن موقع

“Multinational and economic geography”

مدخل:

إن الأسئلة الرئيسة فيما يتصل بسياق الشركات المتعددة الجنسيات إنما تركزت، وتتركز، على عدد من الأمور التقريرية، ومن ذلك، على سبيل المثال، الأسئلة المتعلقة ب لماذا، أين، وكيف أصبحت هذه الشركات شركات متعددة الجنسيات، هذا فضلا عن التأثيرات الناجمة عن هذه الظاهرة، ومن ذلك التغير الذي يحصل للاقتصادات المُستثمرة من خلال سياقاتها عبر الشركات المذكورة، فضلا عن التأثيرات على الشركات ذاتها، والتي يتم استثارة نموها بفعل توسع أنشطتها المتعددة الجنسيات. ومن منظور البحث الجغرافي، نجد أنه بالرغم من أن واحدا من الأسئلة الرئيسية المتصلة بالمشاريع المتعددة الجنسيات هو بدقة أين تأخذ عملياتها المختلفة مواقعاً لها، إلا أن موقع الواحد من هذه المشاريع (الشركات) لهو أمر قد تم إهمال بحثه إلى حد كبير.

وبداية، فإن الاتجاهات النظرية اللاحق تفصيلها ومناقشتها، لا يُقصد، بإيراد الحديث عنها، منه توفير مسحاً شاملاً للأدبيات الخاصة بمقررات وتأثيرات النشاط متعدد الجنسيات، ولكن المقصود، هو شرح وتفسير، من خلال سياقات واسعة، كيف تم التعامل مع الجغرافيات والمكان، سواء بشكل جلي أو ضمني، في مجال التفكير الأكاديمي الخاص بالنشاط المذكور. وبداية، فإن عديد من المحاولات لتنظير حالة تعدد الجنسيات في المجال الاقتصادي إنما نجد جذورها في مجالات دراسات الاقتصاد والتمويل ((ومن ذلك، على سبيل المثال دراسات أليبر Aliber (1970)، رجمان Rugman (1979)، كيلم Culem (1988)، كوجما Kojima (1973، 1982، 1990))، هذا فضلاً عن الفروع العلمية الأخرى، مثل الاقتصاد السياسي أو النظرية التنظيمية. عموما، فإن الموضوع العام الذي كثيرا ما أُعتبر مشكلة في مجال أدبيات حالة تعدد الجنسيات المذكورة، إنما يتمثل في فقدان وجود اتجاه موحد لدراسات سلوك الشركات المتعددة الجنسيات.

 وعند تقديمنا المنظورات نظرية مُختارة، تعد ذات أهمية للغرض الدراسي المطروح في هذه الصفحات، فلسوف نعمل على الاستفادة من الإطار العام والشامل الذي يجمع عدة أسس نظرية وشروحات لمدى واسع من أوجه حالة تعدد الجنسيات التي نحن بصددها. وهنا إنما نشير إلى الإطار المطور من قبل جوان دننج John Dunning، والذي يُعرف أيضاً بالنموذج الانتقائي (OLI) والذي أثبت نفعه في التعامل التحليلي مع ظاهرة الشركات المتعددة الجنسيات، وأيضا لكونه نموذج مرن بالقدر الكافي للتعامل مع التغيير عبر الوقت لهذه الظاهرة.

النموذج الانتقائي:

إن نموذج: الملكية – التوطن – الاستيعاب الداخلي (OLI) قد تم تطويره أساساً من قبل جون دننج (1988,1979,1977)، ثم حدثه لاحقا عبر عدد من بحوثه صدرت في أعوام 2000، 2003، 2009 على سبيل المثال. هذا فضلا عن عدد من الباحثين الآخرين. ولقد كان اصطفاء هذا النموذج كان لما يتمتع به من القدرة على استيعاب نظريات اقتصادية أخرى، خاصة بمجال الأعمال، ونظريات إدارية رئيسية ومقارنتها، وذلك بغرض تقديم تفسير عنصري الملكية والفوائد، فعلى سبيل المثال يكون السؤال هو لماذا تصبح الشركة شركة متعددة الجنسيات؟ والإجابة تكمن في عنصري التوطن والفوائد، فمثلا في أي مرحلة تكون الشركة ذات استيعاب داخلي لأنشطتها وكيف تمارس خبرتها المتصلة بعملية عمل الشركات متعددة الجنسيات؟ إنَّ الظروف الضرورية والكافية لعمليات عمل الشركات المذكورة يمكن ضمها في الفئات التحليلية الثلاثة التالية:

إن التجمع المتزامن لفئات الملكية والتوطن والاستيعاب الداخلي ينبغي رؤيته على أنه الشرط الضروري والكافي لوجود شركة متعددة الجنسيات ولديناميكيات عملها عبر الوقت. ولكي تكون الواحدة من أمثال هذه الشركة في وضع تستطيع عبره استغلال الفوائد المتلازمة مع فوائد الملكية والتوطن والاستيعاب الداخلي، فإنه ينبغي عليها أن تكون ممتلكة للموارد المالية والإدارية والتنظيمية للشركة، مما يسمح لها باستبقاء العمليات التوطنية المتعددة الجنسيات الخاصة بها وتبنيها، مما يسمح للشركة بالتغير عبر الوقت. وعليه فأن هنالك حاجة لفوائد الملكية الديناميكية من أجل تعديل الاستراتيجيات التوطنية والتنظيمية، آخذا في الاعتبار التغير في الأنواع الأخرى من الفوائد. وبكلمات جون دننج "إنَّه ثالوث التوطن – الملكية – الاستيعاب الداخلي يمكن ربطه بكيان متعدد الأرجل: فكل رجل تدعم الأرجل الأخرى، ويكون هذا الكيان عامل فقط في حالة كون الأرجل الثلاثة، في هذه الحالة، متوازنة بشكل متساوي.". إن الاعتمادية ما بين الثالوث، كما سنرى، إنما تمثل جدلية مؤثرة في مجال تحليل جغرافية الشركات المتعددة الجنسيات. وبالرجوع مرة أخرى، لدننج "إن جغرافية نشاط الأعمال الدولي في حالة الشركة الواحدة، لا يعد مستقل عن وسيلة الدخول للسوق العالمية الخاصة به، ولا يعد بالتأكيد غير مستقلة عن الفوائد التنافسية للشركات المستثمرة".

بناء على ما سبق، ففيما هو خلف نقص وجود اتجاه شمولي في مجال دراسة الشركات المتعددة الجنسيات، فإن "النموذج الانتقائي" إنما يمنح الدارسين إطار عام وبسيط يفسر نشاط الشركات المذكورة، عبر جمع كل من المنظورين، الكبير المستوى - الاقتصادي الكبير، وذلك من خلال استخدام مستويات متعددة ووحدات متعددة للتحليل، وأيضا من خلال استعمال أفكار نظرية مختلفة تحت مظلة موحدة. إن واحدة من أكثر الأولويات المميزة للنموذج الانتقائي إنما تكمن في التوازن القائم بين الأسس الصغيرة المستوى micro وتلك كبيرة المستوى macro. فالاتجاه في هذا النموذج لا يقدم نفسه على أنه أداة تحليلية لفحص سلوك الشركة بذاته، ولا يشير لطريقة إنتاج أجنبية محددة. وبالتأكيد فإن هذا الاتجاه يأخذ في الاعتبار كلا من الأنشطة التي تُمارس في مواقع أجنبية من خلال شركات محلية، وأيضا العمليات التي تعود للشركات الخارجية (الشركات المتعددة الجنسيات) وتُمارس في الاقتصاد المحلي. وعلى أية حال، ففي هذا الإطار التحليلي، نجد أن كل نشاط محدد يُمارس عبر الحدود الدولية، إنما يُنظر إليه، على الأقل بشكل احتمالي كتداعي لفوائد محددة للوحدات المايكرو (صغيرة المستوى)، والتي تمثل الشركات المتعددة الجنسيات ذاتها.

ويرتبط أيضا تصنيف دننج للأنواع المختلفة لأنشطة الشركات المتعددة الجنسيات "بالنموذج الانتقائي". هذا فضلا عن أن هذا التصنيف يعد أمر مركزي للمناقشات التي يحتويها هذا الكتاب، وهي مناقشات مبنية على حافز دننج لفهم تأسيس الشركات الأجنبية الفرعية للشركات المتعددة الجنسيات "الشركات الأم" أو الشركات التابعة، وذلك طبقا للفوائد التوطنية التي يمنحها الاقتصاد المستضيف. هذا بالبناء على طوبولوجية Typology الاستثمار الأجنبي المباشر FDI لبهرمان(1972)، فإن هذا التصنيف يميز أربعة أنواع رئيسية للشركات المتعددة الجنسيات، كما يلي:

1- الشركات الباحثة عن الموارد أو الأصول.

إن الشركات المتعددة الجنسيات إنما تستثمر في مواقع محددة موجودة خارج الدولة مقر الشركة الأم، وذلك للحصول على أصول وموارد حقيقية أو موارد غير ملموسة، ومن ذلك المواد الخام، العمالة والمهارات. وهي الأصول التي تكون إما غير متوفرة في مواقع الدولة المقر، أو أنها متوفرة في موقع مستضيف host location، ولكن عند مستوى تكلفة أقل من الحال في الدولة المقر، وأنه لأمر حاسم في هذه الحالة أن يتم عمل تفريق واضح ما بين الشركات المتعددة الجنسيات، التي تستهدف الاستثمار في مواقع مستضيفة ذات موارد طبيعية وعمالة رخيصة، وهي تلك التي سوف نطلق عليها "الشركات الساعية للحصول على الأصول". والنوع الثاني هي تلك الشركات تم إنشاؤها لتأسيس شركات فرعية خارج الدولة المقر، بشكل خاص، كاستجابة للحاجة للحصول على قدرات تقنية محددة، خبرة، إدارية وتسويقية أو مهارات تنظيمية، وهذه الشركات يطلق عليها "الشركات الساعية للحصول على أصول محددة".

2- الشركات الباحثة عن السوق.

هذه هي الشركات التي تستثمر أموالها من أجل أن تفي باحتياجات أسواق محلية أو أسواق قريبة، وذلك عبر القرب المكاني لعنصر الطلب، ومثل هذه الشركات المتعددة الجنسيات هي غالبا يحفزها إما ظهور أو نمو أسواق جديدة، أو قائمة رئيسية. أما المحفز الثاني فيتمثل في وجود الحاجة لتبني إنتاج منتجات تناسب الأذواق المحلية. أما الحافز الثالث فيتمثل في تفادي التكاليف المرتفعة للتعاملات المالية أو الحواجز التجارية التي تحابي ما يُسمى "بالقفز على التعريفات الجمركية"، اتصالا بالإنتاج المحلي لصالح تصديره.

3- الشركات الباحثة عن الكفاءة.

تتمثل هذه الشركات في تلك التي تستثمر أموالها من أجل ترشيد وإعادة تركيب استثمارات سابقة، والتي هي بمثابة استثمارات تقودها الموارد او الأسواق، كعناصر مقررة لمواقعها. هذا ويعد من المفيد التفريق ما بين نوعين رئيسيين من الشركات في هذه الفئة من الشركات: 

أ‌- الشركات الباحثة عن كفاءة سلسلة القيمة العولمية global value chain efficiency seekers، وهي الشركات المتعددة الجنسيات التي تستفيد من الاختلافات الدولية، اتصالا بعنصر التكاليف والمواهب الطبيعية الموجودة ضمن المواقع التي توجد تقليديا ضمن مراحل مختلفة من التطور الاقتصادي.

ب‌- أما النوع الثاني من الشركات المذكورة فهي الشركات الباحثة عن وفورات المستوى والمجال scale and scope economics وهذه الشركات هي شركات متعددة الجنسيات باحثة عن الترشيد (الاقتصادي) عبر مواضع مؤسسية مختلفة، بُنى سوقية وصناعية وسياسات وذلك ضمن مواقع ذات مستويات متماثلة بشكل واضح في التنمية الاقتصادية.

4- الشركات الباحثة عن الأصول الاستراتيجية.

هذه هي الشركات المتعددة الجنسيات المنخرطة في عمليات أجنبية، وذلك عادة عبر الاستحواذ على الأصول العائدة لشركات أجنبية، وذلك منطلق من استهداف، بشكل أولي، تطوير أهدافهم الاستراتيجية الطويلة الأمد في سياقات القدرات العولمية والتنافسية. هذا وتتمكن الشركات المتعددة الجنسيات في هذه الفئة من تقوية فوائد الملكية لديها و/أو أضعاف تلك العائدة للمنافسين، وذلك عبر شراء أصول خارج دولة المقر oversea assets، ومن ثم المعرفة المحلية هنالك والكفاءة والقدرات.

وكما قيل أعلاه فان أمثال "تصنيف دننج" للشركات المتعددة الجنسيات، الذي تم استعراضه، لهو تصنيف مميز بشكل خاص، حيث أنه مُؤسس بشكل أولي على "الفوائد التوطنية L. advantages"، وهذه الأنواع المختلفة من تلك الشركات التي تنتمي، بشكل متزامن، لكل الفئات الأربعة للتصنيف، وهي أيضا تتضمن وجود أنواع مختلفة جدا من الجغرافيات. هذا وسوف نراجع فيما يلي بعض النظريات الرئيسية للنشاط المتعدد الجنسيات ذات الصلة "بالنموذج الانتقائي"، مع اهتمام خاص بالتفاعلات ما بين المقررات الثلاثية لحالة "تعددية الجنسيات multi national "، وما يترافق معها من قضايا جغرافية.

- مقررات النشاط المتعدد الجنسيات: فوائد الملكية O-Advantages

1- هايمر: التحكم، مبدأ التوافق والهرم التوطني

يعد عمل ستيفن هايمر Hymer (1960) واحدا ضمن الإسهامات الأولى التي تعتبر دراسات رائدة رئيسية في مجال إدراك أهمية "الملكية" الممثلة لوجه أساسي لحالة "تعددية الجنسيات". لقد ركز هايمر بشكل خاص على تحديد فوائد الشركات المتعددة الجنسيات فيما يتصل بعنصر الملكية العائدة لدولة محددة. إن جذور تحليل هايمر تعود إلى عمل جوي بان Joe Bain عن التنظيم الصناعي، وهو العمل الذي هُدف منه تفسير الاختلافات ما بين صناعات مختارة بالولايات المتحدة الأمريكية، انطلاقا من ديناميكيات مدخل ومخرج الشركة (للأسواق ومن المواقع). لقد أظهر بان حواجز مدخل صناعة محددة مختلفة، ومن ثم توجد أنواع مختلفة من الحماية في قطاعات صناعية محددة، إنما توفر فوائد تنافسية مختلفة للشركات في سياقات "الملكية"، زيادة العوائد، حالة المستوى الكبير، التكاليف، وموصلية السوق market access.

لقد طبق هايمر اتجاه بان في دراسة أنواع مختلفة من أنشطة الاستثمار الأجنبي المباشر للشركات الأمريكية (الولايات المتحدة الأمريكية). وقد أشار هايمر إلى أن "السلوك المتعدد الجنسيات" (العائد للشركات المتعددة الجنسيات) إنما يتضمن وجود التدفقات الدولية لمجموعات الأنشطة والموارد، بما في ذلك التقنية، القدرات، المهارات، وريادة الأعمال. وعلى وجه التناقض مع التعاملات المالية العابرة للحدود، والمُحللة حسب النظرية الاقتصادية، فقد استعرض هايمر أن أمثال هذه التدفقات إنما تتطلب أيضا وجود نفس عنصر الملكية والتحكم عبر الحدود الوطنية. وبالتأكيد، فإن جدل هايمر هذا إنما يطرح إن الملكية المشتركة والتحكم يحولان فوائد محددة للشركة، مما يجعل الشركة في وضع القادرة على معادلة مساوئ العمل في بيئة أجنبية (مع فوائده). وعليه، فإن هايمر يقطع مع حالة الاقتصادات التقليدية، واضعا في قلب تحليله طبيعة الشركة وعملية توسعها، وذلك بدلا من القيام بأنشطة "استبدال السوق market exchange"، وذلك من خلال شركات ذات الطابع المارشالي.

لقد تطور فكر هايمر لاحقا من خلال مراحل مختلفة، وفي اتجاهات متعددة، ومن ذلك نمو الشركة، التكامل الداخلي للشركة وتكاليف التعاملات التي تواجهها الشركة. (هايمر: 1968، 1970). هذا كما تأثر تفكير هذا الباحث بشكل خاص بالمقالة البذرية: طبيعة الشركة لرونلد كواس Coase(1937).

في طرح هايمر الأول (1960) فان نقطة تركيز تحليله تتجه نحو تحكم المستثمر الآتي من الملكية المشتركة والنظام التنظيمي، وهو ما يضمن استغلال الفوائد. على أن الاتجاه التحليلي لا يبذل محاولة جدية لشرح الامتداد الجغرافي للإنتاج عبر عديد من المواضع. وعلى أية حال، فإن مؤشر ذو صلة للتوطن إنما يوجد فيه إدراك هايمر الرائد بأن الاستثمار الأجنبي المباشر يميل لأن يتركز في صناعات معينة عبر الدول، وذلك بدلا من التركز في دول بعينها عبر الصناعات. وقد أصدر هايمر مقالة في عام 1968، والتي تعتبر من قبل كثيرين اختراق في المسار bath – breaking لما قدمته من تنبؤ لاتجاهات الاستيعاب الداخلي وتكاليف التعاملات، وهي الاتجاهات ذات الصلة بوجود ونمو الشركات المتعددة الجنسيات. ولقد ربط هايمر بشكل أكثر جلاء ما بين فكرته عن التحكم والجغرافيا، عبر اقتراح بأن أسواق جغرافية مجزأة يمكن التعامل معها "كعالم للتأثير". 

بالبناء على كل من التفسير التاريخي لأفريد تشندرل Chandler (1959، 1962) وجباشان "الأعمال ذات المستوى الضخم" في القرن التاسع عشر وبدايات القرن اللاحق في الصناعة الأمريكية، وأيضا على طرح جوزيف سكمبتر Schumpeter (1934). وهو الطرح المتسم بكونه نوعا من التدمير الإبداعي (لأفكار سابقة له)، نجد أن هايمر، يطور قانون زيادة حجم الشركة (1970). لقد لاحظ هايمر المراحل الرئيسية لتطور الشركة من:

1) الشركة المارشلنية (نسبة لمارشال) التنافسية ذات الوظيفة الواحدة من ناحية الصناعة والملكية.

2) الشركة الوطنية الاحتكارية (احتكار القلة) الضخمة، ذات التكامل الرأسي vertically مع حالة ملكية منتشرة

3) مشروع الاعمال الحديث المكون من أجزاء مختلفة الأنواع conglomerate، وهو مشروع متعدد الأقسام، ذو شركات تابعة affiliates قائمة عبر الدول. وكل هذه الشركات منسقة من "قبل عقل شركة مركزي".

ومن خلال قراءة هايمر لأعمال كل من شاندلر Chandler وفرتز ردلين Redlien (1962) فسر انه خلال العملية التطورية للشركة تجاه تطورها كمشروع عامل على مستوى العالم، أي شركة متعددة الجنسيات، يمكن اكتشاف وجود بنية هرمية متكونة من ثلاثة مستويات من إدارة الأعمال وصنع القرار. ويتمثل المستوى الثالث، والذي هو الأدنى والأوسع، يتعامل مع العمليات الاعتيادية اليومية، والتي ترتبط بأنشطة الإنتاج. أما المستوى الثاني، وهو المستوى المتوسط في البنية فيحصل مع فاصل وظائف المكتب الإداري الرئيس عن مكاتب العمل الميداني للشركة، والتي تتحكم في المستوى الثالث، فضلا عن تنسيق العملية الإدارية في المستوى الأدنى. وبالنسبة للمستوى الأعلى ومستوى قمة العمل الإداري، فيعد مسؤولا عن وضع الأهداف والاستراتيجيات لمجموع الشركة. ومن ثم فإن الشركة المتعددة الجنسيات هي بالتالي مختلفة مفاهيميا عن المفاهيم الأخرى للشركة. هذا، ونجد أن الثلاثة مستويات، لهي موجودة في مجال عمل صاحب العمل ومديره في آن واحد. وعلى وجه النقيض، فإنه في حالة "الشركة الوطنية"، فإن المستويان الأول والثاني لهما منفصلان عن المستوى الثالث، بينما في حالة الشركة المتعددة الجنسيات، نجد أن المستويين المذكورين منفصلان بشكل كامل مع عمل المستوى الثالث كعقل للشركة مسؤولا عن الاستراتيجية العامة لها.

إن هذه التراتبية الهرمية لعملية صنع القرار بالشركة قد تم مناقشته لأبعد من ذلك، في عمل لاحق لبتليس (1991) وخلاله ظهر قانون "زيادة حجم الشركة" مع قانون "التطور غير المتساوي". وبشكل ما، نجد هايمر يقترح "مبدأ التوافق correspondence principle" الذي ينص على أن وجود علاقة مباشرة بين حالة التركزية للقوة، (السيطرة) والتحكم في الشركة متعددة الجنسيات. وعليه، فإن مبدأ "التوافق" إنّما يلقي الضوء على الارتباط ما بين نمو الشركة وتطورها من جانب أول، ومن جانب آخر، فإنه في حالة مبدأ التوافق، نجد ارتباط قوي ما بين فوائد الملكية الخاصة بالشركة المتعددة الجنسيات، وسلوكها الإستراتيجي، وتوطنها، والجغرافيا الاقتصادية كذلك.

لقد اقترح هايمر، أنه بتطبيق نظرية التوطن على "نموذج تشاندلر وردليس"، فإنه يمكن تحليل "البعد المكاني لهرمية الشركة" بشكل فعال (1972). فطبقا لهايمر فإن البنية الهرمية لتحكم الشركة في حالة المركزية إنما تنتقل بشكل مباشر إلى "بنية هرمية للمواقع الجغرافية". وبعض هذه المواقع تعتمد بقدر كبير على مواقع أخرى، وهنا نجد أن هذه العلاقة الاعتمادية هي تمثل أساس البنية المكانية غير العادلة للتطور الاقتصادي. وعليه، فإن أنشطة المستوى الثالث إنما سوف تميل لأن تكون منتشرة بشكل متساوي نسبيا ومتوزعة على مستوى العالم، وذلك وفقا لجاذبية المصادر، مثل العمالة، الأسواق والمواد الخام. وهي هذه الظاهرة التي تعمل على نشر التصنيع عبر الاقتصادات ذات المستوى الأقل تقدما. وعلى وجه النقيض، فإن أنشطة المستوى الثاني سوف تميل لأن تكون متركزة في المدن الكبرى، حيث أنها تحتاج عمالة الياقات البيضاء مبدئيا، هذا فضلا عن أنظمة اتصالات ومعلومات فعالة. وعند هذا المستوى، فإن الشركة متعددة الجنسيات إنما تختلف عن صناعات مختلفة تضع مرافقها في نفس المدن، ومن ثم فإنها تعطي المجال لبروز تركز مكاني وظيفي في مستوى البلاد شبه الوطنية (اقتصاديا)، وهي تكون أكثر قوة من تلك الموجودة في المستوى الثالث. وطبقا لمخطط هايمر فإن أنشطة المستوى الأول سوف تكون ذات تركز جغرافي عنقودي بقدر أكبر مقارنة بتلك العائدة للمستوى الثاني، حيث أنها تحتاج لأن تكون قريبة من واردات كافية من الخدمات عالية التخصص، أسواق المال، وسائل الإعلام والحكومات. وتحتاج عملية توفير واستغلال علاقات الخدمات هذه مستويات عالية من الارتباطية connectivity، كل على المستويين المحلي والعالمي. وبناء على ذلك، طبقا لها يمر، فإن الوظائف عالية المستوى، التي تقود الشركات المتعددة الجنسيات سوف تكون متوطنة تقريبا في "مدن العالم العولمية الرئيسية major global cities"، والتي سوف تكون هي الأخرى مُحاطة بعواصم شبه إقليمية. وقد جادل هايمر، بأنه في نهاية الأمر، ستكون مدن نيويورك، لندن، باريس، بون، طوكيو، موسكو، بكين، هي المدن العولمية التي ستكون مقر للوظائف المركزية للمراكز الإدارية الرئيسة (للشركات الكبرى). وانطلاقاً من المستويات الأعلى، فإن هايمر يتصور أن هنالك تراتبية هرمية جغرافية سوف تميز انتشار عمليات الشركات المتعددة الجنسيات، هذا مع توزع الأنشطة ذات المستوى الأدنى وتلك المتوسطة عبر طبقة مراكز حضرية وأقاليم أدنى، وبكلمات ها يمر: إن التخصص الجغرافي سوف يعكس التراتبية الهرمية لعملية صنع القرار للشركة. كما أن التوزيع المهني للعمالة للمدينة أو الإقليم سوف يعتمد على وظيفتها - وظيفته في النظام الاقتصادي الدولي. هذا وتعد بصيرة هايمر، إنما تعد الأكثر تميزا، آخذا في الاعتبار أنه كان يكتب خلال ذروة الحرب الباردة. وعموما، فإن الإسهام الهام لكل من هايمر وكروجمان Kurgman، إنما يتمثل في أنه بينما يعني النمو في الظهير أو الهامش نموا في المركز، فإنه عكس هذا الوضع ليس من الضرورة أن يحصل.

وبناء على ما سبق، فإن هايمر يعتبر واحداً من الباحثين الأوائل الذين فهموا محدودية اتجاه الاقتصادات الدولية التقليدية، والذي ساد في الفترة السابقة. فكما لاحظ هايمر أَن كلٍّ من "نظرية الشركة ونظرية احتكار القلة لم يتم تطبيقهما حتى الآن على مشاكل التجارة والاستثمار الدوليين". والواقع أن قدر كبير من الأدبيات الأخيرة للأعمال الدولية قد تم استعارتها، بصراحة وضمنيا، من تحليل هايمر. كما أن طروحات هايمر قد كانت ولا تزال مؤثرة إلى حد ما، في حالة الدراسات الجغرافية المعنية ودراسات التوطن. وبالتأكيد فإن مبدئ التوافق لهايمر يربط ما بين مركزية التحكم، ضمن الشركة الحديثة، مع التركز المكاني للتحكم في أنظمة الاقتصاد المعاصرة، وذلك باستخدام طرق نظرية التوطن. ويركز عمل هايمر على الدور الحاسم للشركات المتعددة الجنسيات في الدفع بالتنمية الإقليمية غير المتوازنة. وبشكل يثير الفضول، فإنه بالرغم من وجود عدد محدود من الدراسات قد أقرت بجلاء بأن عمل هايمر عمل مفتاح مهم في تفسير العلاقة ما بين النشاط المتعدد الجنسيات والتنمية الإقليمية الوطنية الفرعية، فإن أدبيات الأعمال الدولية في حد ذاتها قد تغاضت بشكل كبير عن أن ما له ما يُسمى ما قبل الحرف anti litteram قد أوعزها هايمر إلى التفاعل ما بين التنظيم المكاني، بخاصة الحضري، والبنى الصناعية. وكل من هذه الأمور تمثل الأساس للخيار التوطني، والجغرافيا الاقتصادية للشركات المتعددة الجنسيات.

- فيرنون: دائرة حياة المنتج، والفوائد التنافسية للدول (والمراكز المتروبولية).

يتمثل العمل البذري الآخر المساهم في مجال النظرية الاقتصادية للشركات المتعددة الجنسيات، في نموذج دائرة حياة المنتج product life cycle (PLC)، وهو العمل الذي يتصف بكونه قريب الصلة بشكل خاص لأهداف هذا الكتاب في هذا الفصل، وهو النموذج الذي طوره ريموند فيرنون Vernon (1966). وقد مد فيرنون النظرية التجارة التقليدية إلى واحدة خاصة بالتجارة الدولية، مقرًا من خلالها بعيوب السوق (كعنصر أساسي في العملية الاقتصادية). هذا مع ملاحظة أن فيرنون قد توصل لعمله هذا من خلال تبني المنظور الاقتصادي الميكرو. ومن ناحية أولى، فقد كان تركيز فيرنون على مورد فوائد الملكية العائدة للدولة المعنية، وهي الفوائد التي يتم التحصل عليها عبر عنصر منح طبيعة وبنيات السوق. ومن جانب آخر، هنالك السلوك الاستراتيجي الناتج عن حالة الأسواق الاحتكارية. كما نطلق فيرنون في طرحه متأثر بظهور نظريات التجارة في فترة هذا الطرح، والتي تركزت على فجوات التقنية، وكذلك دوائر حياة المنتج life cycles of the product PLC. وفي هذا السياق، رابط فيرنون، فوائد الملكية ذات الابتكارات كأساس، وذلك مع ملامح معينة كحجم السوق، مرونات داخل الطلب، ومستويات الأجور. ومن ثم، فإن اتجاه فيرنون يختلف عن التقليد الكلاسيكي الجديد السائل، وذلك فيما يتصل يغيرون فإن "الابتكار" ظاهرة أصلية تشكلها قضايا بنيوية، عوضا عن كونها ظاهرة ومعتمدة على كفاءة السوق (وعموماً يُطلق عليه مصطلح تنقية السوق Market clearing).

إن المرحلة الأولى من "دائرة حياة المنتج" تتسم بأن الشركة ذات الصفة الابتكارية إنما تنتج وتبيع منتجها في السوق المحلي. وتتوقف المنتجات الجديدة على تطبيقات معتمدة على التقدم العلمي، ومن ثم فإن الابتكارات إنما يُنظر إليها كابتكارات متصلة ببلاد محددة، حيث أنها تعتمد على وجود سوق محلي ضخم يُغطي التكلفة المرتفعة للإنتاج والمخاطر المتضمنة في أنشطة البحث والتطوير R&D. ويُبدأ في تصدير المنتج لخارج الدولة لبلاد ذات ظروف دخل وطلب متماثلة لما هو موجود داخل الدولة المعنية. ويبدأ الإنتاج في المرحلة الثانية ينتقل تدريجيا لبلاد أجنبية تتسم بأسواق محلية ضخمة، كي تتم تغطية الطلب المحلي على السلع المعينة، وذلك عبر الاستثمار الأجنبي المباشر FDI. وبما أن الابتكارات في سياق طرح فيرنون إنما يقودها الطلب، فإن ملاحقة الطلب عبر نشر التقنية إنما تسمح للمنافسين الأجانب بكسب إمكانية تطوير قدراتهم التقنية المماثلة وحدوث تآكل الريادة التقنية شركات البلاد ذات السمة الابتكارية وذلك في المحاصة النهائية. ومع استمرار الشركات المنافسة في الدخول للسوق تزيد المنافسة، وتكون قائدة لكل من السعر والأرباح للمستوى الأقل. وبالانطلاق إلى المرحلة الثالثة، نجد تقدم دائرة حياة المنتج مع القيام معيارية الإنتاج بإعاقة مزيد من التخفيضات في تكاليف الإنتاج. هذا وتكتسب الشركات القدرة التنافسية عبر تأسيس مرافق الإنتاج في تلك الدول حيثما تكون تكاليف العمالة أقل، مقارنة بدول مصدر الشركات المتعددة الجنسيات، وحيث يكون سوق الدولة الأم للواحدة من هذه الشركات يتم تزويده بالمنتجات المستوردة غالبا من مصانع أجنبية.

ويظهر كل من تحليل دائرة حياة المنتج لفيرنون، وأيضا لحد معين في طرح هايمر، إن التوطن الجغرافي للإنتاج الدولي إنما يتبع نمط تراتبية هرمية مرتبطة بشكل حاسم بفوائد الملكية والتي تميز كل مرحلة من مراحل بنية احتكارية. وفي حالة "الابتكارية ذات الأساس الاحتكاري" نجد أن موقع الإنتاج إنما يتم وضعه في اقتصاد يتسم بوجود عملية تم البدء فيها في مرحلة مبكرة. وفي هذه المرحلة المبكرة، تكون التقنية غير مستقرة، ويحيط الطلب على المنتج الجديد حالة عدم التيقن، وحيث تكون الطاقة التقنية أمر حيوي. ويحصل التوطن في المراكز الميتروبولية في الدول المتقدمة، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أتت هذه الملاحظة من العمل المبكر لفيرنون vernon، الذي تناول اقتصاديات (وفورات) التجمع في الأقاليم الميتروبولية كنيويورك (1957,1960). وأكد فيرنون في هذا العمل على أنه ضمن الأسباب الرئيسية لنمو المناطق الحضرية المراكز، هو توفر تنوع من خدمات الأعمال، وهي الخدمات التي كانت سابقا يتم توفيرها داخليا من خلال وظائف الأعمال بالشركة. (Vernon, 1957, p.17) 

وفي حالة فوائد كيانات احتكارية القلة الناضجة، والقائمة على وفورات المستوى economics of scale، المواصلات والتسويق فإنها تؤدي إلى تركز قوة من الاستثمار إما في البلد الأم للشركات المتعددة الجنسيات MNE، أو في الاقتصادات المتقدمة المماثلة. وخلال مرحلة النمو هذه، عندما يتزايد عدد من المنافسين، وتكون الشركات مهتمة بالتحكم في تكاليف إنتاج كل منها، فإن موقع استثمارات الشركة إنما يحصل في التجمعات الأساسية. إن الإنتاج الأجنبي إنما يبدأ في بلاد حيثما تكون ظروف الطلب متماثلة، كما إن عملية إعادة الهيكلة في حد ذاتها يمكن أن تقود إلى حدوث تحسينات في المنتج المُطور الأصلي. هذا وتصبح المواقع ذات التكاليف المنخفضة في الدول الأقل تطورا جذابة بشكل خاص، وذلك في حالة احتكارات القلة ذات الأسعار التنافسية. وعليه، فإن نضج مرحلة المعيارية لدائرة المنتج، والتي تتميز بوجود: حالة مستقرة تقنيا، التدفقات الطويلة للإنتاج، منافسة سعرية قوية وكثافة في عمالة غير ماهرة، يعطي البلاد الأقل تطورا الفرصة للدخول بنجاح للبيئة الدولية التنافسية عبر اجتذاب الشركات متعددة الجنسيات MNEs العائدة للاقتصادات المتقدمة إلى الاستثمار في صناعاتهم المحلية الآخذة في التطور.

لقد شهد نموذج دائرة المنتج أيضا تطبيقات واسعة في التحليلات الإقليمية والحضرية، وهي تطبيقات تتنبئي أساساً بأن التركز في المراحل المبكرة لتطور المنتج، إنما سيكون في المناطق الحضرية، حيثما تتوافر بسهولة العمالة عالية المهارة، الاقتصادات، (الوفورات) الخارجية، والإدارة المتميزة. ويتبع ذلك انتقالات تالية للإنتاج المعياري نحو مزيد من الأقاليم الأكثر ريفية والأقل تكلفة. وعلى أية حال، فإنه يُلاحظ من خلال أدبيات الموضوع أن الأوجه البنيوية والتقنية لطروحات فيرنون قد تم تجاهلها بقدر كبير، بالرغم من أنها مرتبطة بعمل الشركات المتعددة الجنسيات. ومن جانب آخر، فإن ثنائية مماثلة (للعمالة الماهرة - العمالة غير الماهرة) لنموذج دائرة المنتج دوليا، إنما يتم بقدر من التكرار تطبيقها على المستوى الأقل وطنياً أيضا، ومن ثم فقد تلقت هذه التطبيقات نقداً ينص على أن هذه الاتجاهات البحثية قد فشلت بشكل أساسي في شرح عمليات التغير التاريخي لتنظيم الصناعة والسلوك المكاني (من تلك الدراسات الحاوية لهذه الانتقادات، على سبيل المثال: Mack and Scheffer1993, Tylor1986, Storper1985، ومن ضمن الانتقادات التي وُجهت لسلوك PLC فإن هنالك انتقادان يبدوان، بخاصة، أكثر ارتباطا بالحديث الجاري. وأولا، فإن نماذج ما تميل لإظهار وجهة نظر مبسطة وتقريرية لعملية الابتكار، والتي يُفترض من كل منها أن تظهر تعاقب خطى وموحد من الابتكار إلى منتج رائج إلى مرحلة المعيارية "standardization". وثانيًا فإن "القضايا التوطنية"، التي تظهر في كل مرحلة من مراحل نموذج دائرة المنتج، (والتي تتبع إدخال منتج جديد للسوق)، قد تم تجاهلها. وفي عديد من نماذج PLC نجد أن المقررات المكانية للسلوك الأجنبي والمحلي قد تم تخفيضها لأن تكون بشكل رئيسي تخفيضات لتكلفة العمالة، ومن ثم التجاهل بقدر كبير للعلاقات الداخلية والخارجية للشركة وبيئتها الاقتصادية المكانية. على أن هذا سياق غامض خاص بمشروع الأعمال عامة، وهو سياق لا يسمح لنا بالتميز ما بين المنافسة العولمية وتلك المحلية، ولا هو يلقي ضوء على علاقات الشركة، سواء تلك المتبادلة مع.......، أو تلك المتخللة ما بين ...... وهي العلاقات التي تعد حاسمة في مجال تحديد بعد مكاني محدد لكل من الصناعة المعنية والدوائر التقنية ذات الصلة.

علاوة على ما ذُكر، فبالرغم من أنه قد تم إعطاء نموذج "دائرة المنتج" خاصية مكانية محددة من قبل الباحثين الذين اتبعوا عمل فيرنون المميز. في مجال التوطن، والاقتصادات الحضرية والإقليمية، فإن أمثال هذه الجوانب قد تم أغفالها بشكل مفاجئ في أدبيات التجارة الدولية وأنشطة الأعمال. وفي الحقيقة، فبالرغم من أن تحليل فيرنون المميز لأسباب التركز الحضري، ثم الانتشار الجغرافي للأنشطة المتعددة المنشآت الصناعية، والتي تأخذ مكانا عبر حدود "خطوط المنتج"، فإن الأدبيات التالية، والتي استلهمت عمل فيرنون والخاصة بمشاريع الأعمال الدولية، إنما لا تزال تميل لأن تعامل السلوك التوطني للشركات المتعددة الجنسياتMNE، باستعمال التقسيم الجغرافي الثنائي، ذا الدرجة العالية من عدم التحديد، ما بين البلاد المتقدمة ذات الوفرة الرأسمالية، والعمالة الماهرة والبلاد النامية ذات الوفرة من العمالة غير الماهرة. وفي سياقات الجغرافيا الاقتصادية، فإن التقليد الفيرنوني (نسبة لفيرنون) إنما يعد بالتالي ذو إخفاقات بقدر كبير في مجال التحرك إلى ما هو أبعد من أوجه التبصر التقليدي لنموذج "هكشير اوهلن Heekscher -Ohlin" الكلاسيكي الجديد neo classical، وذلك اعتمادا على الافتراضات الضمنية للنموذج، وهي الافتراضات التي يُسعى من خلالها للتناول السريع للتأثيرات الحاصلة عبر الانتشار التقني والمحاكاة للتقنية. هذا ويتضمن تأكيد فيرنون على الانتقالات المكانية المتضمنة في "دوائر تطور الصناعة"، وكذلك الصلة الوثيقة المتغيرة "للاقتصادات الخارجية external economies " خلال أمثال تلك الدوائر. وهذا التأكيد إنما ينبغي له أن يقتضي وجود إدماج جلي للقضايا التوطنية في مجال تفسير عمليات الشركات المتعددة الجنسيات. وهذا الأمر مُفتقداً بقدر كبير في أدبيات مشاريع الأعمال الدولية، وفي نفس الوقت، من الجانب الآخر، نجد أن الفحص الدقيق جدا لقضايا الملكية والقضايا التنظيمية إنما يُفتقد بقدر كبير في مجال تناول الاقتصادات الإقليمية والحضرية.

إن الانتقادات الرئيسية للتفسيرات المستندة إلى نموذج دائرة حياة المنتج (PLC) للإنتاج الدولي، وهي على الأقل مرتبطة مع البعد الجغرافي، يمكن تقسيمها إلى نوعين. فمن جانب أول، فإنه انطلاقا من أساس تطور البيئة المعاصرة للاقتصاد العالمي، نجد أن "فوائد الملكية" يمكن عزوها للشركات أكثر من عزوها للبلاد، ومن ثم فإن صُنع المنشأ الجغرافي للشركات المتعددة الجنسيات إنما يتم بشكل مسبق على المستوى الوطني. هذا وقد تم إلقاء الضوء على هذه النقطة، والتي تم إظهارها على ما يبدو عبر الإطار الأصلي لعمل فيرنون، من قبل باحثي الاقتصادات الإقليمية (مثل تايلور Tylor في عامي 1986 و1987) ومشاريع الأعمال الدولية، (مثل كانت ويل Cant Well في عام 1995)، وهم الباحثون الذين عزوا محدوديات نموذج دائرة المنتج إلى حالة المفاهيمية غير الكافية لكل من الشركة والتقدم التقني. ومن جانب آخر، فإن المراقبون إنما يقترحون بأن "قوى التجمع agglomeration forces" إنما تجذب أنشطة الشركات المتعددة الجنسيات MNE إلى مواقع بعينها في كل من الاقتصادات المتقدمة، فضلا عن تلك البازغة، ومن ثم يظهر المقصد الجغرافي لتلك الشركات، والذي يعد أقل اعتمادا على أنماط هرمية ثابتة فعلية مستندة على عنصر التكلفة. وبالتأكيد، فإن هذه الملاحظة الأخيرة إنما تبدو، لنقطة معينة، هي على الجانب المقابل لجدلية العولمة. إن تشكل المهارات وعمليات تراكم المعرفة هي أكثر اعتمادا على المورد الذي يعد خارجيا لأي شركة مفردة، (مهما كانت ضخمة ومتعددة الجنسيات). ومتموضع مكانيا بقدر عالٍ. إن بعض هذه المحدوديات، لهي مُقرّ بها من قبل فيرنون نفسه. والذي يُقر بأن توسع شبكات الشركات المتعددة الجنسيات متعددة المنتجات باتجاه شبكات الإنتاج على مستوى العالم، إنما يعالج القضايا التوطنية بشكل أكثر تعقدا مخالفا لما كان يُتصور في التشكل الأصلي للنموذج المذكور.

- كافز: التكامل الرأسي والأفقي

متبعا هايمر في اتجاهه للتنظيم الصناعي اتصالاً بالإنتاج الدولي، كان عمل ريتشارد كافز Richard Caves 1971 هو الأول من حيث تقديم فكرة التفريق ما بين التكامل الرأسي vertical integration وذلك الأفقي horizontal integratio لعمليات الشركات المتعددة الجنسيات عبر حدود الدول. إن الاستثمار الأجنبي المباشر الأفقي. Horizontal foreign direct investment (HFDI) إنّما يشير إلى إنتاج ذات السلعة أو الخدمة، التي تُنتج في البلد الأم (موقع الشركة المتعددة الجنسيات) في موقع أجنبي الجديد. وفي المقابل، فن الاستثمار الأجنبي المباشر الرأسي Vertical foreign direct investment (VFDI)  بدلا عن ذلك، إنما يتضمن انتقال نحو بعض المراحل الأوسع لعمليات الإنتاج، إما كعمليات خلفية backward  (أعلىup stream)  أو أمامية (أدنى downstream) أو كليهما، ومن ثم يحصل تشظي لعمليات إنتاج الشركات المتعددة الجنسيات بشكل رأسي عبر الدول. وبشكل متزايد، سمح كافز لاحتمالية تنفيذ تلك الشركات. للإنتاج الأجنبي، والذي يكون ليس متكاملا أفقيا ولا رأسيا، وسُمي هذا من قبل كافز بأنه "نمط تنويع مختلط".    

بناء على ما سبق، فإن فوائد الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن ربطها بإما المقررات الأفقية للإنتاج الأجنبي أو تلك الرأسية لذات الإنتاج، آخذين في عين الاعتبار خصائص الصناعة المعنية. وفي سياقات ال HFDI فإن فوائد الملكية، تلك التي تمتلكها الشركات المتعددة الجنسيات، إنما تعمل في صناعات متميزة ببنية احتكار القلة oligopolistics وباختلافات أساسية للمنتج، وبشكل خاص تلك التي تمتلك معرفة أكبر أو ذات الأنشطة الخاصة بالبحث. إن الفوائد الرئيسية لي VFDI إنما ترتبط بالملامح البنيوية للأسواق، والتي تنشط فيها الأنشطة المتعددة الجنسيات MNE. وبشكل خاص، فإن فوائد VFDI لهي مرتبطة بأين توجد حوافز لإزالة حالة عدم التيقن الخاص، باحتكار القلة وذلك فيما يتصل بواردات عناصر الإدخال (للعملية الصناعية)، ولرفع الحواجز التي تقف أمام الولوج للنشاط، وذلك باستخدام التكامل الرأسي لمراحل الإنتاج عبر الحدود الوطنية. وبكلمات كافز نفسه، "يحدث الاستثمار الأجنبي المباشر عامة في الصناعات المتسمة ببنيات سوق محددة في كل من البلاد المُقرضة (أو البلدان الأم للشركات المعنية)، والبلاد المقترضة، (أو البلدان المستضيفة للاستثمارات الخاصة بالشركات)".

وانطلاقا من النقطة السابقة، نجد أن القضايا الأساسية التي اتجه كافز لمعالجتها هي قضايا مرتبطة بحالة تقلبية الإنتاج الأجنبي وتظهر من خلال صناعات مختلفة حتى من نفس الدولة، وذلك على أساس ما يتمتع به هذا البلد من عناصر مختلفة متمثلة بشكل خاص ومترافقة مع، أصول غير ملموسة، مثل الأبحاث والتقنية، وطاقة مميزة، ومهارات إدارية وتسويقية، ورأس مال اجتماعي، وحالة تمهن entrepreneurship. إن التأكيد على الملامح الصناعية، البنيوية، المؤسسية - والتي كانت آنذاك عناصر جديدة - ليُعد أمر حاسم للبعد الجغرافي لهذه الملامح، وإن كان هذا الأمر لا يزال على المستوى الماكرو macro دون المستوى الميكرو micro، وهنا نجد طرحا من قبل كافة يشرح لنا ما سبق: "قد تدمج الشركة الروابط الخلفية لتنتج مواد خام في البلاد الأقل تطورا، حيث قد لا تكون الشركة قريبة من الحصول عليها محليا، وذلك بسبب حدوث عجز في رأس المال الاجتماعي المحلي local social capital overhead حالة التمهن" على إن هذا النوع من الجدلية يفشل في شرح وتفصيل الاستثمارات المباشرة الرأسية الواسعة في دول مثل كندا و النرويج، والتي تتمتع بوجود سكك حديدية ومقاولين محليين لإجراء الأعمال.

- نموذج المعرفة - رأس المال

لقد أدت التطورات في النظرية الجديدة للتجارة New Trade Theory (NTT)، في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، إلى تطوير ما أصبح معروفا بنموذج المعرفة رأس المالknowledge – capital model (KMC)  وقد تم تناول هذا النموذج كذلك من قبل أكثر المؤلفين تميزا في مجال النموذج، وهو جيمس ماركسن Markusen (2002, 1995, 1984) ولكن مثل هذا النموذج يمكن النظر إليه كبرنامج بحثي يتضمن عمل مجموعة متنوعة من باحثين مهمين تضمنت، ضمن آخرين، ايثير Ethier (1986)، هيلبمان Helbman (1984,1985)، ماركسن Markusen (1984)، هيلبمان وكروجمان Krugman (1985)، هورسانا Horsana وماركسون Mahkson (1987)، اثيرEthier  وماركسون (1996)، ماركسون وفنابلز Venables (1996,1998,2007)، فنابلز (1999)، كارر Carr وآخرون (2001). ولقد تضمنت أجندة البحث للنموذج تطوير دراسة محددات وتأثيرات النشاط المتعدد الجنسيات، تماشيا مع الاتجاه التحليلي للاقتصادات السائدة. وقد تم تطوير هذه النماذج ضمن إطار توازن عام مع محاولة لدمج الأنشطة المذكورة في نمذجه رياضية للتنافس غير التام والعوائد المتزايدة، بينما يتم في نفس الوقت استعارة بعض العناصر من تقاليد أقدم، بما في ذلك تلك العائدة لعمل كل من فيرنون وكافز، وأيضا بعض نظريات الاستيعاب الداخلي internalization.

يستند اتجاه KCM إلى الفكرة الرئيسية التي تنص على أن النشاط المتعدد الجنسيات إنما يتسم بكثافته في مجال استخدام الأصول المستندة للمعرفة. كما يتضمن هذا الاتجاه جمعا لكل من التكامل الأفقي، المترافق مع القرب مكانيا أو زمانيا للطلب، والتكامل الرأسي، المترافق مع البحث عن تكاليف أقل، وذلك كمحددات لموقع النشاط المتعددة الجنسيات ولأنشطة الاستثمار. وبالبناء بشكل مكثف على عمل كافز، مع ملاحظة أنه نادرا ما يُعترف بهذا، فإن نموذج KCM قد قسم الشركات المتعددة الجنسيات إلى نوعين، وهما شركات متكاملة أفقيا تعرف بنوع اتش type - h وشركات متكاملة رأسيا تعرف بنوع في type - v، وإن شركة إتش، والتي تماثل تلك الواردة في مخطط كافز يُشار إليها كحاملة ل HFDI، وهي شركات متعددة الجنسيات تمتلك منشآت إنتاج ذات مستويات مماثلة في سلسلة الإنتاج production chain في أكثر من بلد واحد. إن نموذج ال KCM لهو مُؤسس على افتراض أن أصول معرفة الشركة، هي أساسا سلع عامة public goods ضمن الشركة، وهي السلع التي تعد تكاليفها في جانب العرض الخاصة بالمصانع الأجنبية، هي تكاليف منخفضة. ومن ناحية أخرى، فإن شركات نوع V ، والتي هي في عمل كافز هي تلك التي تنخرط في استثمار رأسي أجنبي مباشر VFDI، هي شركات متعددة الجنسيات، تمتلك منشآت إنتاج مختلفة في مواقع دولية مختلفة. هذا وقد ظهر مفهوم الشركات V من افتراض بأن الشركات يمكن أن تُحصص أنواع مختلفة من الأنشطة، بموازاة "سلسلة القيمة"، وتختار مواقع لها في أماكن مختلفة، اعتمادا على الاختلافات الدولية في عنصر توفر الموارد، وبخاصة فيما يتصل بعنصري المعرفة وكثافات المهارة لدى قوة العمل المحلية.

وسواء إذا ما قررت الشركة تزويد الأسواق الأجنبية، وتلك عبر البحار overseas، وذلك بشكل مباشر بالصادرات من الدولة الأم، (حيث المركز الإداري الرئيس للشركة المتعددة الجنسيات) أو عبر السوق المحلي من مؤسسات فرعية أجنبية، اعتمادا على التوازن ما بين وفورات الحجم للإنتاج المحلي، والتجارة الدولية، أو تكاليف المواصلات. وبشكل عام، فإن كل من العالية الحجم وتكاليف المواصلات (المنخفضة) يشجع الاستثمار الأجنبي المباشر direct foreign investment (DFI)، وخاصة الاستثمارات الأفقية الأجنبية المباشرة HFDI، وذلك أن الشركات إنما تسعى نحو الحصول على قدرة أسهل للوصول إلى الأسواق الأجنبية، بينما تشجع التكاليف المنخفضة للتجارة الإنتاج المحلي والتصدير. وبشكل مماثل فإن "وفورات الحجم العالية" تشجع المواقع المفردة للإنتاج والتصدير. وفي المقابل، فإن وفورات الحجم المنخفضة إنما تشجع تأسيس مؤسسات فرعية في دول مختلفة.

وفيما يتصل بأنماط "الاستثمار الأجنبي المباشر"، فإن اتجاه KCM إنما يتنبأ بأن الشركات المتعددة الجنسيات، ذات النوع H، ستميل لأن تهيمن عندما تكون الشركات، في كل من الدول الأم وتلك المستضيفة، شركات كبيرة ومتماثلة في سياق ما هو متاح من مهارات العمالة المحلية، بينما ستميل الشركات المتعددة الجنسيات، ذات النوع V، لأن تهيمن، وذلك عندما تكون الأسواق في كل من النوعين من الدول المختلفة لحد كبير في سياقات أحجامها، والمتاح من مهارات العمالة المحلية. هذا، وينبغي الملاحظة أن أكثر استنتاجات اتجاه KCM هي استنتاجات آتية من عملية محاكاة أكثر منها أشكال لحلول تحليلية، وذلك بسبب البعد المتعدد الأبعاد، وحالات عدم المساواة المدمجة في هذه التشكيلات التحليلية المركبة.

إن الطريقة الوحيدة للتوفيق ما بين الملاحظات المذكورة هي افتراض أن التكاليف المحددة لإنشاء المؤسسات الأجنبية المفردة قد تراجعت عبر الوقت. وبالتأكيد، فإن إنشاء المصانع وتأسيس مرافق إنتاج موجودة في مساحات محدودة جديدة، لهو أمر أصبح مركب السمة بشكل متزايد، ومن ثم فإن الاستنتاج القائل بأن التكاليف المحددة للمنشآت التي تقام خارج الدولة موقع الشركة الأم إنما هو استنتاج منتهي. وعلى أية حال، وكما سيظهر في الفصول اللاحقة من الكتاب، فإن التكاليف المحددة للمنشآت قد تتضمن تكاليف تتصل بقضايا تتصل بمعرفة العمال، مهاراتهم وتدريبهم. كما أن هنالك قدر قليل جدا من الأدلة، مما يقودنا لاقتراح أَن التكاليف المذكورة قد تراجعت عبر الوقت. وعليه فإن الدليل الكلي على هذه النقطة هو دليل غير حاسم.

وبشكل بديل، فإنه يمكن لنا أن نفترض أن وفورات المستوى economics of scale لموقع محدد قد أصبحت أقل أهمية عبر السنوات الماضية، كما أن التراجع في أهمية هذه الوفورات قد أصبح أكبر من التراجع في (تكاليف) المواصلات وتكاليف التجارة. وبالتأكيد فإن هنالك دليل متنامي على أن جغرافية العديد من أنظمة الإنتاج وسلاسل الإدخال - الإخراج input – outputs chains هي بالفعل قد أصبحت متجزئة مكانيًا بقدر أكثر. وعلى أية حال، فإن الاقتراح بأن وفورات مستوى التوطني المحددة قد تراجعت عبر الوقت، وإنه يظهر وجود حالة تنافر مع الافتراضات الأساسية للجغرافيا الاقتصادية الجديدة، وأيضا مع حالة وفرة الدليل التجريبي البازغ. وهذا التأكيد عائد إلى الأهمية المتزايدة على مستوى العالم لتأثيرات عنصر التجمع agglomeration، على الأقل خلال حقبة التسعينات من القرن العشرين.

وتقترح محاولة ثالثة في مجال نظرية التوافق reconciling theory وعنصر الملاحظة، أنه مع تراجع تكاليف المواصلات، فإن الأرباح المحتملة لعملية الاستحواذ   Acquisitionعلى شركة أجنبية، إنما تحابي بشكل منتظم الحصول على شركات، وليس إنشائها. وعليه، فإن هذا الوضع قد طور الاستثمارات الأجنبية FDI المتجهة خارجيًا، من الدول مواقع الشركات الضخمة، اعتمادا على حالات الدمج merges والاستحواذات. وهذا التبصر للوضع المذكور له متناسق بشكل واضح مع الدليل المتاح اتصالا بما ذكر سابقا. وأكثر من ذلك فإن إنشاء "منصات التصدير" يصبح عنصرا أكثر جاذبية في ظل ظروف التكامل الاقتصادي الأجنبي، حيث أن حجم السوق، والذي يمكن خدمته عبر إصباح المنشأة أكثر أهمية، هو أهم ببساطة من حجم السوق المحلي.

وعليه، فإن الثنائية ما بين التكامل الأفقي والتكامل الرأسي إنما تبدو غير مناسبة الآن لأن تعكس الأشكال التنظيمية الرئيسية للعمليات الدولية، والتي تنفذها الشركات المتعددة الجنسيات. فسمة التركيب والتعقد لاستراتيجيات. التكامل لهذه الشركات قد تم إدراكها والاعتراف بها أيضا من قبل دارسوا اتجاه KCM، وهم الذين أدركوا أن هذه الشركات قد اتبعت بالفعل استراتيجيات التكامل المركبة أكثر من تلك العائدة لفئة أو أكثر من الفئات. وانطلاقا من هذا، فإن الشركات المذكورة هي متكاملة أفقيا ورأسيا، مع مزج استراتيجيات مختلفة، بما في ذلك "استراتيجيات التنويع الدولي" عبر المنتجات والمساحة والتي كان كافز (1971,1982) أول من وصفها.

- الموارد، القدرات، والكفاءة التقنية.

إن الانتباه المتزايد، والذي تم توجيهه نحو دولنة internationalization لواحدة من فوائد الملكية الرئيسية، وهي الكفاءة التقنية والنشاط الإبداعي قد أنتج فحصا متجددا للدور المتجدد للشركات المتعددة الجنسيات اتصالاً بالمصانع الفروع التابعة لها، وهو الفحص الذي قام به فيرنون (1966). إن الهدف من إعادة تحديد وحدات هذه الشركات، كوحدات رئيسية مولدة للإبداع والمعرفة التقنية، قد تم اقتراحه أساسا من قبل دننج Dunning (1970)، وهو الهدف الذي تم تطويره لاحقا من قبل تشيسنس Chesnais (1988)، وكانت ويل Cant Well (1994) وفورس Fors (1998) وذلك ضمن باحثين آخرين. وبالبناء على العمل البذري لأديث بنروز Edith Penrose، وعلى وجهات النظر الثورية بشأن التقدم التقني، فإنه يُنظر إلى الشركات المتعددة الجنسيات كحزمة من الموارد المنتجة وحالة الكفاية: طبيعيا وبشريا وتقنيا، وهي العناصر التي تعد عناصر بنيوية لكل شركة، وهي التي تمثل أيضاً الفائدة التنافسية الرئيسية للشركة. وبشكل مثير للانتباه، وكما تمت مناقشته في الفصل 4 من هذا الكتاب مصدر هذه المادة العلمية، فبالرغم من الصلة الكبيرة لعمل بنروز، عن مفاهيمية الكفاءة الحديثة، الأصول المحددة والأصول الاستراتيجية، والتي تسعى الشركات المتعددة الجنسيات، فإن معالجة هذه الدراسة لحالة تعددية الجنسية كمرحلة في نمو شركة، بدلا من أن تكون ذات نمط بدائي، قد أنتجت إلى حد ما، تأثيرا محدودا فقط على قدر كبير من أدبيات الأعمال الدولية international bussiness. على أن ذلك قد وفر، على أية حال، قدرا ضخما من الإلهام لدراسة دولنة الأعمال متعددة الجنسيات وفوائدها الراجعة للتقنية ذات الأساس الراجع، بدوره، لعنصر الملكية.

وبالنظر إلى وجهة النظر التي أساسها الكفاءة، فإن المصادر الجغرافية لتنافسية الأعمال متعددة الجنسيات، إنما يتم النظر إليها كمتلازمة مع طاقة المؤسسات الأجنبية لتوليد إبداعات عن طريق الحصول على الإبداعات من الخبراء المحليين وفوائد التجمعات الصناعية العنقودية ذات الصلة industrial clustering ذات الصلة. وعليه، فقد تم توجيه انتباه متزايد لفهم الأدوار الجديدة التي تمارسها المؤسسات المذكورة في مجال جهود الإبداع العولمي للشركات المتعددة الجنسيات، تطور استراتيجيات تلك المؤسسات وظهور مراكز التميز الخاصة بالشركات.

وبينما كان يتم النظر إلى الشركة التابعة subsidiary التقليدية على أنه نوع من الاستغلال للفوائد التقنية (المعروفة أيضا كقدرات وكفاءات) للشركة الأم. ومع الوقت، فقد طور مزيد من الشركات التابعة الحديثة كفاءات خاصة بكل منها، والتي يمكن تفعيلها لفائدة دواخل كل شبكة الأعمال المتعددة الجنسيات. هذا وتقترح الأدلة التجريبية النامية أن الأهمية البازغة لأنظمة الإنتاج الشبكي قد تقدمت عبر التغيرات الرئيسة في الدور الذي مارسته الشركات التابعة، الحديثة، للشركات المتعددة الجنسيات (من الأمثلة على هذه الأدلة، دراسات: Brikinsbaw; etal. 1998, Rabbiosi, 2008; Marin & Giuliani, 2011; Pine وآخرون 1993 :2007؛ Johson & Menguc. وقد ركز دوراً متزايدا لعملية صنع القرار في مستوى الشركات التابعة، على الأنشطة ذات الأساس المعلوماتي (من ذلك، على سبيل المثال: Cantwell 1987؛ Pearce, 1999؛ Frost etal. 2002؛ Young and Tavares 2004). وهذا إنما يتضمن الإشارة إلى الكفاءات التي تتطور في موقع بعينه والتي يمكن استخدامها في موقع آخر، بحيث انه قد يكون هنالك تدفقات متعددة الاتجاهات للمعرفة، المعلومات والسلع ما بين المؤسسات الفرعية ذات الاستقلال الذاتي نسبيا. ومن أجل أن تدرك وتتحصل الشركات المتعددة الجنسيات على هذه الفوائد، فإنه يتوجب عليها تبني طرق تنسيق أكثر تعقيدا، وذلك من أجل استدامة الفائدة المحلية و العولمية للمعلومات وللشركة.

وكنتيجة لما سبق، فقد أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات تُقدر بأنها منظمات قد تطورت بحيث تتفاعل الواحدة منها مع السياقات الاجتماعية - الاقتصادية في كل من المواقع الموجودة في الدولة الأم، للشركة، وفي المواقع المستضيفة لاستثمارات الشركة. إن تطور الملامح التنظيمية لهذه الشركات إنما يُعد عنصرا مركزيا لشرح العلاقات ذات الطرق المتعددة بين التوسع المتعددة الجنسيات وعمليات الإبداع. إن طبيعة هذه التفاعلات إنما يتم النظر إليها كتفاعلات مختلفة عبر الدول، الأقاليم، القطاعات والشركات مع وجود مستويات متزايدة الارتباطات على المستويات المختلفة. ويستعرض كل من دننج Dunning ويمبز Wymbs (1999) أَن درجة تعددية عمل الشركات المتعددة الجنسيات إنما تعتبر حاليا مرتبطة بشكل مميز، مع إدراك أن الفوائد التقنية العولمية المتزايدة لهي ذات المصادر الأجنبية. وتسعى الشركات المتعددة الجنسيات لتحقيق أهدافها عبر تأسيس شبكات متكاملة من المؤسسات الفرعية، وذلك من أجل بناء فائدة تنافسية مستدامة مُؤسسة بقدر أكبر على قدرة بناء وتحسينات ديناميكية أكثر منه على معيار كفاءة ثابتة غير ديناميكية.

وبناء على ما ذُكر أعلاه، فإنه من أجل هذه الاتجاهات المتنوعة للأعمال المتعددة الجنسيات، والتي تجمع معا، بشكل متنوع، منظورات تتراوح من الإدارة، الأعمال إلى علم الاجتماع، فإن الملاحظة التجريبية توضيح بأن الاستثمار الأجنبي المباشر FDI والعمليات المتعددة الجنسيات، والتي قُصد أن تكون أكثر اتساعا، إنما قد ازدادت عبر السنوات الأخيرة، بينما تراجعت التكاليف المواصلات والتجارة، ولم تعد الأمور مشكلة أبدا. ويعود السبب في أن هذه الاتجاهات لا تتعامل مع المعلومات على أنها سلعة عامة موروثة ضمن الشركة، بدلا من أن تُستخدم كمفسر للسلوك التوطني للشركة متعددة الجنسيات على أنه نتيجة الاعتماد المتبادل ما بين المعلومات، الأوضاع التنظيمية والسمات التعاملية من خلال الصفقات لكل من الشركات ذاتها وأيضا الأقاليم التي يمكن أن تتوطن بها استثمارات هذه الشركة. ومن ثم، فإنه يُنظر للشركة المتعددة الجنسيات كنظام شبكي مركب من المعلومات والتقنية، وعديد من هذه العلاقات المتبادلة تُعد كمحدد توطني. ومن ثم، فإن إيجاد التلاؤم الأفضل ما بين الشركة المتعددة الجنسيات وبيئتها الاقتصادية المحلية، إنما هو أمر يعد قضية أساسية، وذلك من خلال سياقات الاتجاهات البحثية المذكورة لسلوك التوطني للواحدة من تلك الشركات.

على أن آليات الروابط التقنية قد بدأ الميل يعني يتم تصويرها، وحتى حديثا، من خلال سياقات التفاعلات ما بين وخلال الشركات، بينما لا يزال يتم التعامل مع المساحة الجغرافية، في المعظم، كمتغير خارجي، والذي لم يتم توضيح بنيته وديناميكيته إلا بقدر محدود جدًا، وذلك بالرغم من أن التطورات التحليلية العديدة والتطورات في مجال الملاحظة للموضوع السابق الإشارة إليها أعلاه. وكمان سنرى في الفصول القادمة من الكتاب ففقط حديثا تم ظهور كم كبير من الدراسات التجريبية في مجال تحديد "المساحة" الفعلية للنشاط الإبداعي للشركات المتعددة الجنسيات. وهذا الدليل الكمي والنوعي إنما يُعتبر ثمين إلى حد كبير للتوسع المثمر لدراسة ظاهرة الشركات المتعددة الجنسيات، وهو الدليل الذي ينبغي أن تُدمج، تغذيته الاستراجعية الإطار التحليلي الأوسع لنموذج OLI.

- مُقررات النشاط المتعدد الجنسيات:

1- الفوائد 

أ‌- من فوائد الملكية (O) إلى الاستيعاب الداخلي (I)

بناء على خلفية ما قام به كل من هايمر Hymer، كافز Caves وفيرنون Vernon فقد عمدت دراسات أخرى، في مجال الاقتصاد، إلى استكشاف فوائد الملكية للشركات المتعددة الجنسيات، وحيث توجهت هذه الدراسات لمعالجة الدور الذي يمارسه كل من "نواقص السوق market imperfections"، والسلوك الاستراتيجي في تطوير الإنتاج الدولي. وفي سياقات جغرافية لعمل الشركات المتعددة الجنسيات، فإن التقليد الذي يتبع نهج هايمر وكافز يعد مماثل لنهج فيرنون ومتبعيه. وعلى أية حال، ففي مجال مناقشة فوائد الملكية العائدة لدولة بعينها، نجد أن الأدبيات، التي تطورت انطلاقا من عمل هايمر، إنما تضع مزيدا من التأكيد على الصلة الوثيقة للخصائص البنيوية للاقتصاد المُستثمر، على العكس من تركيز فيرنون على السلوك الاستراتيجي للأطراف المتسمة بسمة "احتكار القلة". وانطلاقا من المنظور المكاني، فإن ما ذُكر يمثل نقطة مهمة، حيث إنه في إطار عمل هايمر - كافز المُوحى (للآخرين)، وهو الإطار ذو المستوى المكارو macro، فإن الملامح التوطنية لمنشأ الشركة المتعددة الجنسيات، مثل البيئة المؤسسية والاجتماعية، إنما هي ذات دور حاسم كمقررات للفوائد التفاضلية comparative advantages، ومن ثم فذات الدور موجود في مجال التوسع المتعدد الجنسيات. وهذا الطرح مختلف تماما فيما يتصل بإطار عمل فيرنون، والذي ينظر للقضايا التوطنية في سياقات الاستجابات الاستراتيجية من قبل الشركات "لدوائر حياة المنتج" وتشوهات السوق. وعلى أية حال، ففي حالة كل من هذه الاتجاهات النظرية، خاصة خلال حقبتي الستينات والسبعينات من القرن الميلادي المنصرم، نجد أن الهدف الرئيسي للتحليل لا يزال هو السؤال الخاص بلماذا أصبحت الشركات المعنية شركات متعددة الجنسيات، مع إعطاء قدر قليل من الاهتمام للسؤال الخاص بكيف تنظم هذه الشركات أنشطتها عبر المواضع المتعددة؟ إن نقطة التركيز هي بالتالي متوجهة مبدئيا نحو الملكية والفوائد المقارنة، في مجال الأسواق وآليات السعر، ومن ثم في مجال تكاليف الصفقات والمعاملات المالية، والتي تُعد عناصر خارجية للشركة. هذا وتؤخذ "نواقص السوق" في الاعتبار فقط في المدى الطويل، إذ أنها تمثل أمورا بنيوية، هذا مع إعطاء قدر قليل من الاعتبار، أو لا يوجد أساسا، للدور الذي مارسته "نواقص المعلومات" knowledge imperfection، ولا حالات عدم التماثل فيها.

ب‌- الاستيعاب الداخلي وتكاليف الصفقات – المعاملات المالية.

إن مجموعة المساهمات المؤثرة في مجال سؤال "كيف" هي الأنشطة المتعددة الجنسيات منظمة لهي قائمة على أساس نظرية تكاليف الصفقات - المعاملات المالية للشركة. إنَّ سالفات لأدبيات هذا الأمر توجد لدى كواس Case (1937) وبن روز Penrose (1959)، وقد حولت هذه الأدبيات نقطة التركيز إلى العلاقات ما بين الملكية وتنظيم حالة تعدد الجنسيات. وتأخذ اتجاهات تكاليف الصفقات - المعاملات بوجهات النظر الاقتصادية الميكر micro والتنظيمية للشركة، وتتسم الأسواق الدولية، (وخاصة تلك المتوسطة، التقنية والمعلومات). بنواقص حالة الصفقات transactional imperfection. وقد ظهرت الحاجة من حالة أسواق داخلية محددة. هذا ويتم النظر إلى الأعمال المتعددة الجنسيات على أنها نتيجة لعمليات لحالة "الاستيعاب" للعمليات التي تحدث عبر الحدود. ومن ثم فإنه يتم النظر لهذه الحالة كمنتج للمقارنة ما بين التكاليف ومنافع الصفقات - المعاملات، المنظمة، داخليا ضمن الشركة الواحدة فيما يتصل بممارسة صفقات سوقية داخلية. إن قرار إسباغ حالة الاستيعاب للأنشطة إنما هو، ومن ثم، يوفر قدر من المعقولية لكل من التكامل الأفقي والرأسي للأنشطة عبرت الحدود. وعليه، فإن التطور وتنظيم الإنتاج الدولي إنما يحصل عبر تطور التسلسلات الهرمية، بدلا من حصولها عبر عمل الأسواق. أكثر من ذلك، فإنه يُتوقع حدوث مجموعة من النتائج، وذلك بسبب أن التكاليف التنظيمية ذات سمة التسلسلية الهرمية فيما يتصل بالصفقات - تعاملات السوق إنما يُنظر إليها أنها متصلة بالأعمال المتعددة الجنسيات، صناعتها، والبلد موقع نشأة الشركة الواحدة من هذه الشركات. إن السمة التسلسلية الهرمية إنما تشير ضمنيا بالنتيجة إلى أن "الملكية"، التحكم والتنظيم إنما تعتبر كمجموعة غير متجمعة من الحوافز مجتمعة لحالة تعددية الجنسيات.

توفر اقتصادات تكاليف الصفقات في عديد من الحالات قدر من الفهم الأكثر ثراء للشركات المتعددة الجنسيات في سياقات: سلوك الواحدة منها، تعاقداتها وبشكل محدد أصولها، وذلك عكس الحال مع الاتجاهات النظرية الأخرى. إن النهج المتصل بتلك الاقتصادات إنما يكمن في نقطة التركيز على الطاقة التنظيمية العامة للشركة والروابط ما بين أنواع مختلفة من أنشطة القيمة المضافة ووفورات المجال economics of scopes. وكما تم ذكره، فقد أصبحت حالة الاستيعاب الداخلي والتكامل مترابطان معا بشكل تام. ولقد وسع تي سي Teece (1980) جدلية التكامل الرأسي التي قال بها وليامسون Williamson  (1975) والتي طرحها ليفسر: التنوع متعدد السلع، إلقاء الضوء على حقيقة أن كل من التكامل الأفقي والتنويع لهما في النهاية مرتبطان مع الأنواع المحددة للصفقات التي تتم عبر الحدود، والتي هي نوع من الاستيعاب الداخلي internalized السابق شرحه.

وكمان سنرى في الفصل الرابع من هذا الكتاب، فإن واحدا من أوجه ضعف تكاليف الصفقات التي تُعطى تفسير وجود الشركات المتعددة الجنسيات: على أساس أنها تأكيد حصري على أن الشركة بديل للسوق، بدلا من أن تكون مؤسسة للتعلم في حد ذاتها بغض النظر عن كيفية عمل الأسواق. أكثر من ذلك، كما سنرى لاحقا، فإن كل من: (تأثيرات العولمة ونمو الرأسمالية الملتصقة بالعولمة، التعاونات الاستراتيجية، الشراكات، البحث عن المصادر خارج الموقع الرئيس للشركة outsourcing والعمليات البعيدة offshoring ، وشبكية الإنتاج والتوزيع والاستثمار الأجنبي الذي ينمي الأصول الرأسمالية ذات الصلة)، قد أثرت بقدر كبير على طبيعته ومدى عمليات الاستيعاب الداخلي للشركة الواحدة. وكما عبر عن ذلك كل من كانتويل Cantwell وناريولا Narula (2001): لقد حظيت حالة الاستيعاب الداخلي على الاهتمام الأكثر، حيث ينص الاعتقاد التقليدي بأن الاستيعاب الداخلي الكامل إنما يمثل الوسيلة المفضلة للشركات المتعددة الجنسيات لهو اعتقاد قد قابله تحدي نتيجة الاستخدام النامي لمفهوم التحالفات الاستراتيجية.

ولأغراض السرد الحالي، فإن ما يُحتاج أن يُلقى عليه الضوء، هو أن الأنماط المكانية والمتغيرات التوطنية هي فعليا لا توجد في نظرية الاستيعاب الداخلي للشركة المتعددة الجنسيات. وجزئيا، فإن ذلك هو نتيجة للتأكيد على النواقص في عملية الصفقات، حيث إن هذه الفكرة إنما تُغفل أن النواقص المؤسسية هي مرتبطة بالسياقات الاجتماعية - الاقتصادية، وتلك المؤسسة الجغرافية. وفي نفس الوقت، فإن الأهمية التي تعزوها نظرية "تكاليف النفقات" للقضايا: التنظيمية، التقنية، "البراعة - المهارة know – how" والبحث والتطوير R&D، فضلا عن تكاليف الفرصة المتلازمة مع الصفقات الداخلية، والتغييرات الخارجية، ومن ثم فإن عمل "اتجاه تكاليف الصفقاتtransactions costs " يعد مناسبا جدا لتحديد الأنواع المختلفة، الجغرافيات الاقتصادية التي قد تختار الشركة المتعددة الجنسيات التموقع بأنشطتها فيها، والتفريق بينها. وهذه الجغرافيات الاقتصادية المختلفة سوف تكون موضع تركيز في الفصلين الرابع والخامس من الكتاب، حيث سنعمد إلى البناء على اتجاهات تكاليف الصفقات لفحص العلاقة ما بين حالة "تعددية الجنسية" والإبداع innovation. وهذه العلاقة، تُعد ملمحا حاسما يسمح بالنظر إلى العلاقة بين حالة الاستيعاب الداخلي والمعرفة الخاصة بالتغير عبر منظور مكاني محدد.

- مقررات النشاط المتعدد الجنسيات:

- فوائد التوطن (L)

- من فوائد الاستيعاب الداخلي (I) إلى فوائد التوطن (L)

كما رأينا، فلقد حظيت نظرية الاقتصاد والأعمال في النجاح بشكل كامل في دمج فوائد الملكية ownership (O) والاستيعاب الداخلي (I)، وان تأخذ في الاعتبار: قضايا الملكية، التحكم، التنظيم، التكامل، فضلا عن تكاليف الصفقات داخليا وخارجيا للشركة. وهذه العناصر تعتبر مقررات لحالة تعددية الجنسيات. على أن سؤال أين تتوطن الشركات المتعددة الجنسيات إنما تُرك بغير تحديد، وحالته غير مقررة، كما لا تزال "الفوائد التوطنية" قائمة على فئوية عريضة للجغرافيات الوطنية. إنَّ التميز بين الاستثمار الأجنبي المباشر الأفقي(HFDI)، والاستثمار الأجنبي المباشر الرأسي (VFDI)، وذلك في سياق دراسة عمليات الشركات المتعددة الأجنبية، والتي كما نراها كأمر مركزي في عدة وجهات نظر نظرية، تتضمن بعض الأمور الضمنية فيما يتصل بالصورة المكانية لأنشطة هذه الشركات. وبشكل خاص، فإننا نوعي تكامل الشركة (VFDI -HFDI) أي ما كان شكلها وأسلوبها هي تتبع، أنماط مكانية مميزة على أية حال. وفي حالة نوع HFDI فإن هذا النوع من التكامل هو أكثر ميلا للتركزات الحضرية أو (الميتروبولتانية). وفي حالة نوع VFDI فهو أكثر توجها نحو الأقاليم الحضرية الفرعية أو تلك الصناعية. إن أمثال مستويات التبصر الحاسمة هذه، والتي تقودها الأشكال المتجمعة المختلفة لتكامل الشركة الواحدة مع السوق، وبنية الصناعة، قد تم الكشف عنها من قبل باحثو اتجاه "الجغرافيا الاقتصادية الجديدة". (انظر على سبيل المثال إلى: ماركسن Markusen 1996، وفينابلز Venables، 2006).

- الجغرافيا الاقتصادية الجديدة:

التناثر مقابل التركز.

لقد أثارت نماذج الجغرافيا الاقتصادية الجديدة New Economic Geography (NEG) احتمالية أن قد تكون "المقررات التوطنية" لأنشطة الشركات المتعددة الجنسيات مفهومة في سياقات التوترات المختلفة (التي تواجه تلك الشركات في هذا الجانب). وهذه التوترات يمكن الإمساك بكنه كلاً منها من خلال سياقات قوى التشتت مقابل التركز على تعاقب التعاملات المحددة للشركة - الصناعة، وذلك ما بين حالة "وفورات المستوى (الحجم) scale economies"والمدخلية للسوق (التكامل نوعHFDI ) وما بين تفاوتية عنصر التكاليف (التكامل نوع VFDI). وكلا النوعين من التكامل اتضح أنه عنصر حاسم لفهم الأنماط الجغرافية لنشاط الشركات المتعددة الجنسيات. وفيما يتصل بنوع HFDI فإنه يشرح بقدر كبير الاستثمار الأجنبي ضمن الاقتصادات المتقدمة، بينما نوع VFDI يفسر بقدر كبير حالة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الدول المتطورة لتلك الآخذة بالنمو developing countries. وضمن مُقدرات الاستثمار الأجنبي المباشر، كل فيما يتصل بالتكامل الاقتصادي الإقليمي المتعدي للحدود القومية ووفورات التجمع على المستوى الوطني الأدنى، فإنه قد تم إدماجهما في نماذج KCM وذلك لتقدير الخيارات التوطنية للشركات المتعددة الجنسيات.

تميل حالة الجدل حتى الآن لأن تكون قائمة على أساس نماذج تتصل بحالتي دولتين. وعلى أية حال، فعندما نبدأ في أخذ الجغرافيا في الاعتبار من خلال أسلوب أكثر جلاء، فإن القضية تصبح أكثر تعقدا وتركيبا. ويعد التناثر الجغرافي مقابل التركز الجغرافي للنشاط المتعددة الجنسيات عنصر المركز يا تمت مناقشته في إطار اتجاهات الجغرافيا الاقتصادية الجديدة، وذلك آخذا في عين الاعتبار جغرافية الإنتاج الدولي. لقد تطورت الجغرافيا الاقتصادية الجديدة من العمل "البذري" لبول كروجمان Krugman (1991)، وهو العمل الذي يتشارك مع الخلفية النظرية العريضة للاتجاه KCM والمبني على تطورات بحثية مبكرة في مجال "نظرية التجارة الجديدة"، والتي بدورها ركزت على أسباب الملاحظة البحثية لمعظم التجارة الدولية، والاستثمار الأجنبي المباشر، وذلك ما بين البلاد المتقدمة، وبشكل أولي آخذ بالشكل الأفقي أكثر من ذلك الرأسي في عين الاعتبار. وبشكل خاص، فقد هيمنة كل من عمليات الدمج mergers والاستحواذ acquisition على عديد من جوانب الإنتاج الأجنبي.

إن أوجه التبصر لهذه النظريات إنما تظهر أن أمثال أنماط التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر إنما تقودها وفورات المستوى في مستوى الشركة، الصناعة والسوق المحلي. إن أهمية حجم هذا السوق للشركات متعددة الجنسيات لهي أهمية تعرف "بتأثير السوق المحلي". ومن ثم، نجد أن اتجاهات الجغرافيا الاقتصادية الجديدة تترجم الجدليات المذكورة لحالة المدن والتركزات agglomerations الوطنية غير الرئيسية، كما تستعرض أَن السلوك التوطني للشركات المتعددة الجنسيات، إنما يعتمد على توازن عرض مدخلات الإنتاج input وفوائد "اقتصاديات المستوى" العائدة للتركز الجغرافي مقابل تكلفة التجارة وفوائد مدخلية السوق الخاصة بالتناثر الجغرافي. هذا ويُشار لأمثال هذه الفوائض في سياقات المصطلحات الخاصة بالشركات المتعددة الجنسيات، على أنها قوى جذب مركزية centripetal وقوى طرد مركزية centrifugal على التوالي. وتقوى قوى التناثر إلى حد أن الأجور وأسعار الأراضي تتراجع مع المسافة، هذا بالرغم من أن هذه الفائدة قد لا تكون ملائمة للأنشطة ذات الاستخدام التقني الكثيف.

ومع جمع أوجه التبصر المذكورة أعلاه وقضايا تكامل الشركة، فقد أصبح واضحا أن التمايز ما بين كل من HFDI , VFDI له تضمينات للتشكل المكاني للأنشطة المتعددة الجنسيات. إن الأبحاث في مجال "الاقتصادات الحضرية" أن ما تظهر أن النمو والفوائد الإنتاجية للشركات في مواقع بعينها إنما يعتمد على درجة التنوع الصناعي أو تخصص البيئات الاقتصادية المحلية، والتي تعمل عبرها الشركات. ويظهر أن أنواع محددة من الشركات إنما تستفيد من كونها موجودة في إقليم بعينة يتمتع بالتنوع الصناعي، بينما يظهر أن شركات أخرى إنما تستفيد بقدر أكبر من كونها موجودة في إقليم يظهر حالة تخصص صناعي.

بتبني خطوط التقصي التي تم تبنيها من قبل كل من "نظرية التجارة الجديدة" (NTT) واتجاه "الجغرافيا الاقتصادية الجديدة" (NEG)، وبشكل واضح خلال عمل كل من ماركسون Markusen وفينابلز Venables (1996) وفيوجتا Fuijita وآخرون (1999) وقينايلز (2006)، فإنه من الممكن المجادلة بأن الجاذبية - أو فوائد (L) - لمواقع محددة لاستثمار الشركات المتعددة الجنسيات إنما سوف تعتمد على كل من تنوع وطبيعة الروابط المحلية، والتي ترغب الشركة الواحدة في الوصول إليها. إن الخيار التوطني للشركات المتعددة الجنسيات، والتي تركز مبدئيًا على ال HFDI إنما يكون مائلا لأن يتوجه باتجاه مناطق التجمع agglomeration والتي بدورها تتسم بوجود حالة التنوع الصناعي، بينما يكون السلوك التوطني لشركات بعينها، والتي تركز على VFDI، مائلاً لأن يكون أكثر توجها نحو مواقع متخصصة. وبشكل عام، فإنه في حالات يكون المنتجين النهائيين ومزودي عناصر الإنتاج الوسطاء فيها مظهرين في أعمالهم، حالة "وفورات المستوى"، فإن ميل الشركات في هذه الحالة يكون هو التموقع في نفس الإقليم، حيث المزودون. وحيثما تعمل حالة وفورات المستوى في نفس القطاع (على سبيل المثال: حيث تكون وفورات التمركز localization economics عاملة، فإن ال VFDI سوف تهيمن، وسوف يكون الإقليم المعني عالي التخصص. وعلى وجه النقيض، فحيثما تعمل حالة "وفورات المستوى" في قطاعات مختلفة (على سبيل المثال: حالة عمل وفورات الحضرية urbanization economics نجد أن ال HFDI يهيمن وسوف يكون الإقليم المعني عالي التنوع. ويمكن أن تحصل أنماط أكثر تركيبا، وذلك عندما يمكن لاختلافات حجم السوق، ومواهب المهارات المحلية أن تمارس دورا. وفي هذه الحالة، فإن النوعين المختلفين من تكامل الشركة، أي VFDI وHFDI، يمكن أن يتبعا أنماطات توطنية أكثر تميزا، وذلك في عديد من الحالات.

في عديد من الحالات، نجد أن أكثر حالات التبصر حديثا لفهم فوائد (L)، الخاصة بالشركات المتعددة الجنسيات، قد أتت من الاتجاهات الميكرو (المصغرة) - اقتصادي، التي مثلتها دراسات الجغرافيا الاقتصادية الجديدة، بينما معظم حالات الاختراق البحثي، اتصالا بفوائد ال (O) و (L)، لهي آتيه من أدبيات الأعمال والإدارة الدولية. وعلى أية حال، فإنه في السياقات المكانية الجلية الجديدة للشركات المتعددة الجنسيات، على المستوى الوطني الفرعي، نجد أنه حتى اتجاه "الجغرافيا الاقتصادية الجديدة" قد أظهر وجود بعض المحدوديات الخطيرة، ويعود السبب في ذلك إلى أنه أي من الإطارات (المفاهيمية) لا تتعامل بشكل متزامن مع التفاوتات الجغرافية التنظيمية والمؤسسية، بشكل جلي، (والتي تعد تفاوتات تقليدية لأمثال هذه السياقات الوطنية الفرعية). بينما يميل تقليد KCM/NTT لأن يركز على بلدين أو ثلاثة، كل منها تعد بلد أم، للشركة متعددة الجنسيات، وذلك مقابل حالات نوع السوق الأجنبي، حيث تُعامل البنية الداخلية لكل بلد بشكل متجانس. وفعال. هذا هو تفضل نماذج "الجغرافيا الاقتصادية الجديدة"، غالبا، تصنيف كل أمثال هذه الاختلافات في سياق: حالة تكاليف المواصلات - المسافة، والتي يُشار إليها، توصيفا، بمصطلح جبل الجليد. وفي نفس الوقت، ففي تلك الحالات التي تحاول فيها نماذج الجغرافيا الاقتصادية الجديدة تحليل التفاوتات المكانية في البنية الداخلية للبلاد، فإن هذه النماذج لا تفسر التفاوتات في خصائص الشركات المتعددة الجنسيات متعددة الوظائف.


- آثار النشاط المتعدد الجنسيات.

- الجوانب الخارجية، الانسيابات والتنمية.

كما تم إلقاء الضوء عليه أعلاه، جنبا إلى جنب الاهتمام، بفهم مقررات نشاط الشركات المتعددة الجنسيات، فقد كان ولا يزال هنالك عديد من الأسئلة تتصل بتأثيرات "الوجود المتعدد الجنسيات" على البلاد المستضيفة للشركات المعنية. وهذه الأسئلة متوجهة نحو قلب الاهتمام لدى المنظرين الاقتصاديين، وأولئك في مجال الأعمال الدولية، هذا فضلا عن الباحثين الأخريين في مجال الجوانب الاجتماعية. ومن أجل أن يكون هنالك قدرة على تقييم فيما إذا كانت الشركات المتعددة الجنسيات مفيدة في الأعم أو غير مفيدة للاقتصادات المستفيدة، فقد تم تبني منظورات نظرية تعمل على تحليل القضية من زاوية وجهة النظر ذات الصلة، سواء فيما يتعلق البلد الأم أو الاقتصاد المستضيف، أو تلك الخاصة بالشركة المتعددة الجنسيات في حد ذاتها. وواحدا من القضايا الرئيسة المُناقشة هي الجوانب الخارجية externalities، وبشكل خاص الإنسيابات spillovers المحتملة، والتي تتولد وتنتشر من قبل الشركة المتعددة الجنسيات في الاقتصاد المستضيف. ولكي نذهب للعمق في السعي نحو فهم متى وأين قد يحصل الانسياب spillover، أو قد لا يحصل، فإنه من الضروري إجراء مناقشة في مجال: مفاهيم استراتيجيات التوطن، المعرفة ومصادر المعلومات، التغير التقني، وأبعاده، كل هذه الأمور مكانيًا.

- الانسيابات، الاقتصادات الأم، والاقتصادات المستضيفة.

يعد تحليل قضايا الجوانب الخارجية externality قضية صعبة، وذلك عائدا إلى تأثيرات الشركات المتعددة الجنسيات التي يمكن لها العمل بشكل متزامن في مستويات مختلفة، ومن ذلك: مستوى الشركة، مستوى الإقليم، مستوى البلد، وأيضا على المستوى العولمي. فقد أثبتت عملية فصل هذه المستويات أنها عملية دقيقة بقدر كبير، إن لم تكن مستحيلة. وكما أشار ليتو – جيلز Letto – Gillies (2005) فإن تقييم تأثيرات الشركات المتعددة الجنسيات لهو مرتبط بقدر كبير بالتفسيرات الخاصة بأسئلة: لماذا وكيف وأين تعمل الشركات المتعددة الجنسيات، ومن ثم، فإن هذا يجعل عملية الفصل بين هذه الأسئلة فيما يتعلق بالمسببات العائدة لها، وبين تلك العائدة، لتأثير حالة تعددية الجنسية multinationality وما يظهر أنه هو الحال، على أية حال، هو أن الافتقاد التقليدي لوجود منظور مكاني فعال للتحليل الخاص بالشركة المتعددة الجنسيات قد أدى لمحدودية ضخمة لفهمنا لبعض التداعيات والتضمينات لنشاط أمثال تلك الشركة. وبشكل خاص، فإن ما هو معروض "بتأثيرات الانسيابات" هي فعليا مستحيل التمكن من معرفتها، بدون وجود منظور مكاني جلي. هذا مع العلم بأن هذه التأثيرات معلوما عالميا تقريبا من قبل كل الخيوط البحثية، النظرية المختلفة، على أنها أعظم ناتج مفيد لعمليات حالة "تعددية الجنسيات".

لقد أصبح التميز الجغرافي ما بين اقتصادات الدول الأم والاقتصادات المستضيفة، وامرًا يُنظر إليه عامة عبر الاتجاهات النظرية المختلفة، وتمت مراجعتها أعلاه، وذلك من خلال صيغة: بلد المنشأ للشركة المتعددة الجنسيات، البلد مقصد الشركة للاستثمار فيها. وبرغم أن تقسيم: البلد الأم - البلد المستضيف المذكور، والذي هو قائم بشكل رئيسي على اتجاه الاستثمار الأجنبي المباشر FDI، لهو مفهوم مبسط وغير دقيق، فإن حجم الأدبيات ذات الصلة قد توصلت إلى أن هذه التقسيم ملائمًا إذ يوفر أسس منطقية لتصنيف تأثيرات الشركات المتعددة الجنسيات. وبترك القضايا: الاجتماعية، الثقافية والسياسية جانبا، فإن تقسيم الدولة الأم - الاقتصاد المستضيف إنما يسمح بتصنيف الشركات المذكورة طبقا للاختلافات ما بين كثافات العناصر الخاصة: ببنيات الإنتاج، أحجام واتجاهات التجارة الدولية، مستويات الأجور، وحالة العمالة، بنيات الأسواق، القدرات والابتكار وإنتاج التقنية وانتشارها، هذا فضلا عن الإنتاجية والنمو. وفي سياقات التقسيم المذكور، فإن أمثال هذه القضايا يمكن رؤيتها كقضايا مترابطة بشكل حصري، من ذلك على سبيل المثال فوائد الدولة الأم إنما تتمثل في تكاليف الدولة المستضيفة (الاقتصاد المستضيف) والعكس صحيح، أو كونها مكملة لبعضها البعض، فعلى سبيل المثال، قد يكون هنالك فوائد تكاليف، في كل من الدولتين.

إن قضية الإنسيابات لهي مرتبطة بشكل كامل بقضايا تدفقات المعلومات والتحول التقني. وبالنظر لعمل كافز Caves (1974) نجد أن هنالك ثلاثة منافع رئيسة تنتج من وجود الشركات المتعددة الجنسيات في المواقع المستضيفة، وتتمثل في: المنافسة السوقية المتزايدة، والتي قد تحسن "الكفاءة التحصيصية"، تأثيرات الإظهار، استثارة الشركات المحلية لزيادة مستوياتها للكفاءة التقنية، تشجيع التغير التقني المحلي، وبالنظر إلى تفاصيل عمل كافز، نجد أن قضية انسيابات المعلومات قد تمت مناقشتها عبر افتراض، بشكل أكثر، وجود وجهة نظر الاقتصاد المستضيف، وهي الحال مع أعمال لاحقة في مجال تأثير الانسيابات، (من ذلك على سبيل المثال : بلومستروم Blomström وبيرسون  Persson، 1983؛ كوكو Kokko 1994، 1996؛ بلومستروم K kokko and Blomstrom 1996، 1997، 1998؛ ليبزي 2001 Lipsey، جافوركك Javorcik  1996 2004,؛ ساجيو ولن Saggu and Lin 2004؛ جافورك وسباترانيو Spatareanu and Javorcik  2008,. إن من فوائد وجود الشركة متعددة الجنسيات للبلاد المستضيفة، إنما تصنف بشكل عام إلى نوعين، وهما: انسيابات الإنتاجية "ومدخلية الانسيابات للسوق market accesses spillovers. "إن النوع الأول هو نتيجة لمنافسة قوية تتبع دخول الاستثمارات الأجنبية للبلاد المستضيفة. وهذا الوضع قد يخلق حوافز للشركات المحلية لإنتاج تقنيات جديدة، ولتقديم ممارسات تنظيمية من أجل المنافسة مع الداخلين الجدد للبلاد المستضيفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات المتعددة الجنسيات إنما تتيح للشركات المحلية مدخلية إلى تقنيات جديدة ومهارات من الروابط الخلفية وتلك الأمامية. هذا فضلا عن التبادلات للأشخاص مع المؤسسات الفرعية الأجنبية. ومن ثم، فإن مدخلية الانسيابات للسوق إنما تأتي من الخبرات والمعرفة التي تحصلت عليها الشركات المتعددة الجنسيات في مجالات التسويق الدولي وشبكات التوزيع والقوة المتحصلة عليها عبر عمليات جماعات الضغط lobbying. وكنتيجة لذلك، فإن الشركات المتعددة الجنسيات قد تمهد الطريق للشركات المحلية للدخول في ذات أسواق التصدير، وذلك كنتيجة للبنيات الأساسية التي طورتها الشركات المتعددة الجنسيات أو بسبب نشر المعلومات. ودور هذه الشركات في كل ما فُصل آتي من عملياتها.

إن أدبيات "انسيابات الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI)" إنما تفترض عامة أن التأثيرات الإيجابية للشركات المتعددة الجنسيات على إنتاج الشركات في البلاد المستضيفة وطاقتها التقنية، لهي بقدر كبير مقصودة، وهذا بالرغم من أنها بالفعل تبرز عبر التعاملات الرسمية والروابط ما بين الشركات المحلية وتلك متعددة الجنسيات. ومن أجل أهداف العرض هنا، فإن هنالك بعض المحدوديات النظرية للافتراضات المذكورة ينبغي التطرق إليها:

فأولا: فإن هذه الافتراضات قد خلطت بين نوعين من الأشكال للجوانب الخارجية الإيجابية النابعة من التفاعلات بين الشركات المشتركة المواقع co-located firms: الروابط (الخلفية-الأمامية الأفقية) الآتية من تقسيم الإنتاج ما بين الشركات على أساس تخصص كل منها، أو وجود مماثلة بينها في الطلب المتاح، المعلومات المتشاركة والانسيابات (حيث تكون الروابط هي روابط متعمدة، بينما الأمور الأخيرة غير متعمدة) ما بين الشركات.

ثانيا: وهو أمر مرتبط بما ذُكر، فإن هذا الافتراض لا يأخذ في الاعتبار أي تفاعلات شاملة، ومن ذلك مثلا العلاقات بين بنيات الصناعة والاعتمادية الناتجة مع المؤسسات والمنظمات في الموقع الذي يتم فيه الإنتاج وخلق الطاقات التقنية.

ثالثا: التركيز على تزايد مستويات الإنتاجية، كمنتج رئيس وحيد للتغيير التقني المحلي، بينما قد تكون النتائج أكثر تنوعا، (فعلى سبيل المثال، في سياقات العمالة، فرص الإبداع والنمو العام).

رابعا: إن التغير التقني إنما تتم معالجته كمتغير خارجي المنشأ، وذلك بدون تحديد مصادره، مثل التعلم عبر الممارسة، التعلم عبر الاستخدام، التعلم عبر التفاعل، أو أنواع وظائف عمليات الإبداع، مثل المنتج، العملية أو تلك ذات التوجه التنظيمي، هذا فضلا عن كونها تكيفية، تراكمية، إبداع تقليدي، إلى آخره.

وأخيرا وليس آخرا، فإنه يُفترض أن التقنية إنما تتمدد بشكل غير مقيد لتصل للكل، فضلا عن أنها تتضمن عدم وجود تمييز ما بين المعلومات والمعرفة، ومن ثم فإنه يتم معاملة الشركات المحلية كمستقبلات تقنية سلبية عبر عملية نقل التقنية، والتي يتم النظر إليها كعملية غير موجهة اتجاهيا، بشكل مقيد. وكل هذه القضايا إنما تشير إلى الأهمية الحاسمة لإدخال جغرافيات محددة وبنيات مكانية في مجال تحليل الجوانب الخارجية externalities والانسيابات.

وفي ورقة عمل للبزي Lipsey (2002)، والتي حظيت بقدر عال من الاستشهادات، تمت مراجعة الدليل على التوزيع لفوائد وتكاليف الاستثمارات الأجنبية المباشرة ما بين البلد المضيف والاقتصاد المستضيف. وقد خلص هذا الباحث إلى أن "قدر كبير من التأثير الآتي من نقل المعلومات الخاصة بأسواق العالم، وطرق تلائمها مع شبكات الإنتاج عبر العالم، ليس ظاهرا في المقاييس المعيارية الإنتاجية". وباتباع "مبدأ التوافق correspondence principle" لهايمر Hymer، والذي يقول بأن تأثيرات الشركات المتعددة الجنسيات قد تكون عامة، بالتالي إما نفعية أو مُقررة، بمعنى أنها قد تحافظ، أو حتى تُقوى، حالات عدم التساوي القائمة ما بين المركز (core) والمناطق الهامشية (peripheral areas)، وذلك عبر وضمن البلاد المختلفة. كما توجد جدلية مماثلة في عمل فيرنون Vernon (1957). فقد جادل هذا الباحث أن الشركات المتعددة الجنسيات إنما تستحث حدوث حصة متزايدة من العمالة في الإناء المختلط لخدمات الأعمال، وذلك في المراكز الميترو بولية الكبيرة، ومن ثم تستثير نموا وعنصر أسعار مرتفع. وعليه فبالنتيجة، حدوث اختلافات واقعة ما بين المستويات الإقليمية interregional وخلال المستويات الوطنية intra-national. وهذه الاختلافات، مع تزايد في التجمع المكاني spatial agglomeration على المستوى الوظيفي، ستكون واضحة، حتى لو كانت العمالة التقليدية في الصناعة التحويلية، المتبعة لوجود الشركات المتعددة الجنسيات، من المحتمل أن تتوسع بقدر أكبر وبشكل متعادل ما بين المركز والهوامش. ومن ثم، فقد تكون الفوائد الناتجة من موقع الشركات المتعددة الجنسيات، ما بين المركز والأقاليم الخلفية hinterlands، موزعة أيضا بشكل عادل. هذا ويتم النظر هنا للتأثيرات المكانية كنتيجة مباشرة للخيارات التوطنية للشركات المتعددة الجنسيات، كل في مواقع منشأ الشركات وفي مواقع المقصد لاستثماراتها.


- الشركات المتعددة الجنسيات والتنمية الاقتصادية

إن البحث عن انسيابات، غير محددة غالبا، في الأدبيات الاقتصادية، قد كان ولا يزال يخفي تأثير الشركات المتعددة الجنسيات على القدرات التنموية، خاصة في الاقتصادات النامية. وقد كان النموذج الرئيس (OLI) واحدا من أكثر التطبيقات فعالية، وهو النموذج الذي وُجد في مجال القضايا التنموية، وذلك عبر مفهوم "مسار استثمار التنمية" investment development path (IDP). إن المعتقد الرئيسي لهذا المسار هو أنه مع تطور أي بلد، فإن تشكل فوائد OLI، المواجهة لكل من الشركات المتعددة الجنسيات والشركات المحلية، يحصل له تغير، كما هو الحال مع تفاعلاتها، وفي النهاية تعكس الدور المُبهم للبلد الأم home والاقتصاد المستضيف host economy. أَن ال IDP إنما يعين مراحل تنموية مختلفة، وأيضا الظروف التي تؤدي إلى التغير وتأثيراتها على مسار تنمية البلد. إن مثال هذه التأثيرات تأخذ محلاً عبر ثلاث آليات رئيسة: وتتمثل الآلية الأولى في "الروابط الخلفية backward linkages" الشركات المتعددة الجنسيات مع الاقتصاد المستضيف، أي الروابط ما بين الشركات المحلية التي توفر عناصر الإنتاج الوسيطة أو الخدمات وزبائنها المتعددة الجنسيات. ومن خلال هذه التعاقدات، فإن مزودي عناصر الإنتاج suppliers المحليون إنما يحصلون على المساعدة، التقنية، الحوافز لتحسين نوعية المنتج و/ أو تخفيضات التكلفة، وكسب وفورات مستوى economics of scale ووفورات مجال economics of scope. أما الآلية الثانية فهي المحاكاة والتبني، فالشركات المحلية قد تضاعف وتتبنى الابتكارات في بيئاتها، سواء تلك التقنية والتنظيمية، والتي تتولد بفعل وجود الشركات الأجنبية. وتطلق الآلية الثالثة تأثيرات إيجابية تتمثل في تطوير المهارات، وتكوين رأس المال البشري، والتي تتراوح ما بين التعلم الأساسي عبر التعلم، التعلم عبر الاستخدام وصولا إلى الكورسات الرسمية للتدريب التقني المتقدم. وبشكل أكثر أهمية، فإن عمليات التعلم تقتضيها ضمن كل الآليات الثلاثة التي تحصل عبر الارتباطات غير الرسمية، والتعاونيات الرسمية.

وعلى أية حال، فإنه بالرغم من أن الشركات المتعددة الجنسيات إنما تمارس، بلا شك، دورا مركزيا في مسارات التنمية، فعمليات التعلم وبناء القدرات، ومن ثم تأثير الشركات المتعددة الجنسيات، لهي تعتمد بقوة على خصائص الأطراف والبيئات المحلية، وهذه بدورها تتسم بكونها عالية التنوع ضمن الحدود الوطنية للبلاد المتطورة وبقدر أكبر في الاقتصادات النامية. وبالتالي، فإن فرضية الـ IDP قد فاتتها وجه رئيس للتشكل البازغ لفوائد ال (OLI) خلال مسار التنمية بالاقتصاد المستضيف، وهي بشكل خاص فائدة ال(L) التي تستثير هذا التغيير.

لقد لاحظ كل من دننج Dunning وبيتلس Pitlies (2008) أَن "قانون هايمر للتنمية غير المتساوية (غير العادلة)" إنما يصح فقط في ظل افتراضاته وتأكيداته المحددة، وبشكل محدد: هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات، غياب التعلم من قبل الدول القومية nation – states النامية، واقتصاد وجود الوعي القومي اتصالا بمضمون هذا القانون. وبشكل مؤكد، فإنه في السيناريو السياسي والاقتصادي الحالي، فإن هذه الافتراضات موضع شك. هذا، مع ملاحظة أن افتراضات هايمر الأساسية تبقى قوية بقدر كبير، وذلك إذا ما تم القيام بتطبيق منظور مكاني مفصل وجلي لجدلية هايمر هذه.

ومن ناحية أخرى، فإن ملاحظة دننج ووبيتلس المذكورة أعلاه، إنما تمثل تفسير المكان أساسي لدور الشركات المتعددة الجنسيات، يمكن أن يكون له دور في التنمية الإقليمية والمحلية. وعلى أي حال، فإن كلا الباحثين مقتنعان بأنه هايمر قد أعطى اهتماما قليلا للطرق التي من خلالها قد تسهل الحكومات الرأسمالية الجوانب الخارجية للاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI المتجهة للبلاد المعنية. ويعد تطوير "المناطق الصناعية industrial districts" "التجمعات العنقودية clusters" مثالا واحدا في هذا الصدد. وكما تم توثيقه من قبل بورتر Porter (2995) وانرايت Enright (2003, 2000)، فإن تجمعات الشركات المترابطة، بما في ذلك الشركات المتعددة الجنسيات التي تتنافس وتتعاون في نشاط بعينه في موقع بعينه، هي تشكل بشكل مستمر، مصدر فعال للتنمية الاقتصادية ذات الأساس المحلي وكمركز جاذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI).

وما نجادل به هنا هو أن هذا الاتجاه، ذو سمة نقل النمو من الأعلى للأسفل، والموجه لتحقيق التنمية الاقتصادية المحلية، إن ما يحتاج أن تتم معالجته بقدر من الحذر، وذلك بسبب أن تطوير المناطق والتجمعات العنقودية الصناعية لجذب المستثمرين الأجانب إنما قد أنتج غالبا نتائج محدودة، على فترة تصل الآن إلى ما هو ليس أكثر من عقدين من الزمان، ومن ثم يحدث تكرار لحد ما لوجهة النظر المكانية للنمو وآليات التطوير. وإذا ما بدأنا في أخذ الجغرافيا والمساحة بقدر من الجدية، فإنه يصبح واضحا جدا أن المدى الذي قد يتم عبره حدث النمو المحلي الاقتصادي وللتنمية من خلال الشركات المتعددة الجنسيات في أنشطة ومواقع محددة، هو مدى يمكن تقريره، عبر افتراض إن المساحة هي متغير ذو تغذية داخلية من جوانبها، والذي تجتمع عبره ملامح ال (L) بشكل جلي مع فوائد كل من(I)و(O).


- الجغرافيا الاقتصادية للشركات المتعددة الجنسيات:

البحث عنصر استيعاب داخلي (L) قوي.


- نظرية الأعمال المتعددة الجنسيات وعنصر الاستيعاب الداخلي المُشكل.

لقد وفر نموذج (OLI) الانتقائي، لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان، إطارا تحليليا أساسيا لفحص كل من نمو الأعمال المتعددة الجنسيات وأنماطها المتغيرة عبر الوقت. وبالرغم من الانتقادات التي واجهها اتجاه ال (OLI) اتصال بقدرته التفسيرية، فإنه، بشكل متسق، قد أظهر أنه في عدد من الحالات، لا يزال كونه أكثر ملائمة كأداة لتفسير درجة تعقدية، التوسع المتعددة الجنسيات، وبشكل خاص في السياق التاريخي، وذلك أكثر من أي مخطط عام آخر. وهذا الأمر بالغ الوضوح من النظام الشامل للجدليات المناقضة تجاه الانتقادات في حالة نموذج ال OLI

وعلى وجه النقيض، وعلى أية حال، فإن قدرة نموذج الـ (OLI) دُمجت بشكل فعال، كلا من مستوى المِكرو micro والماكرو macro، ليشرح بشكل جيد متى يمكن لنا النظر إلى قضية التوطن، والسبب الكامن خلف هذا الفشل لا يكمن فقط في الـ (OLI) ذاته، ولكن يمكن أيضا في النظريات التي تُؤسس له. 

إن "نظرية الشركة المتعددة الجنسيات" قد تطورت على طول خطوط التميز الحاد ما بين الشركات كمنظمات عرضة لأن تكون موجودة في ظل تحكم مركزي، والأسواق التي يتم التعامل معها كبيئات متسمة بوجود أطراف مستقلة منخرطة في تعاملات كبيرة. وبالرغم من أن كلا من هذه الخطوط قد تطور بشكل عميق عبر الوقت، وتظل نظريا صحيحة ومفيدة في التحليل الحالي للشركات والأسواق، فإن هذه الخطوط لا تزال تمثل عوائق رئيسية أمام التكامل الكلي للبعد المكاني ضمن دراسة عمليات "الأعمال المتعددة الجنسيات".

وبالرغم من التأسيس المِكرو القوي، فإن كلا من النظرية الاقتصادية التقليدية، مع درجة تركيزها على الإنتاج الدولي والمنتج (أو ثنائية السوق)، وأدبيات الأعمال الدولية، والتي تركز بشكل رئيس على شركات الأعمال، قد عاملت الجغرافيا والمساحة على مستوى عالي من الأسلبة (من الأسلوب) والمستوى الماكرو غير المحدد. وهذا الوضع هو وضع تقليدي لبلد، إن لم يكن إقليم ماكرو، أو في بعض الحالات، قارة. والجغرافيا بالتالي، إنما تُقصد "كجغرافيا دولية"، بدلا من "مساحة شبه وطنية". إن الافتقار للملامح التوطنية لأمثال هذه النظريات بشكل منفصل، سوف يبدو معه أنه من الصعوبة تبرير الإطار الانتقائي الذي يقدمه نموذج الـ (OLI) حيث أن الاهتمام بالفوائد التفسيرية المقارنة عبر الملكية والمنظمة، إنما يجعل سؤال أين تقوم الشركات المتعددة الجنسيات بتدويل أنشطتها؟ لهو سؤال مبدئي متلازم مع سؤال لماذا؟ وسؤال كيف؟ إن الخيارات التوطنية، التي هي امتياز للشركات والوكالات الأخرى، وليست عائدة للبلاد، هي تعريفاً لجزء من استراتيجيات أوسع، والتي تكون أساس لكل من الفوائد المقارنة والتنافسية للشركات.

انطلاقا من وجهة نظر مفاهيمية فقد تم بذل بعض المحاولات من أجل إدخال التوطن ضمن أدبيات الأعمال الدولية والإدارة، وهذه الأدبيات مترابطة بشكل ملحوظ مع عمل ميشال بورتر Porter (1995) في مجال التركزات العنقودية. وعلى أية حال، فإن المساهمة الأكثر شهرة وقيمة لبورتر تظل عن فوائد نوع الـ O. هذا وتتمثل المقررات الأربعة المركزية للفائدة التنافسية في: ظروف العنصر factor (من عناصر الإنتاج)، ظروف الطلب، الصناعات الداعمة ذات الصلة، استراتيجية الشركة، البنية والمنافسة. كل هذه المقررات إنما تمثل خصائص قاعدة العمل في الدولة الأم، وبشكل خاص تلك ذات الأساس الوطني. على أنه إذا ما تركنا المنظورات الجغرافية الاقتصادية المناسبة والملائمة جانبا، فإن أمثال تلك المحاولات قد فشلت في مناقشة السلوك التوطني شبه الوطني، والإقليمي للأعمال متعددة الجنسيات، وذلك بالنظر إلى أي شيء آخر، عدا أفكار بورتر لعملية التركز العنقود الصناعي. عدا أيضاً أنه على مستوى شديد البساطة.

إن فقدان وجود أي جغرافية حقيقية في أدبيات الأعمال الدولية إنما يعد يا لا السخرية، موازي للانتقادات المقدمة من قبل دارسي الأعمال الدولية لكل من النظريات الجديدة للتجارة، ونظرية الجغرافيا الاقتصادية الجديدة (NEG) اتصالا بمعالجاتها التجريدية بقدر كبير للمساحة. إن أمثال هذه الانتقادات يمكن أخذها كخطوة أولى للإقرار بقضية الموقع في الشروحات المُثبتة لأنشطة الأعمال المتعددة الجنسيات والتعامل معها. على أننا نجد اتجاه الجغرافيا الاقتصادية الجديدة (NEG) قد استعرض، ويقوم بذلك، التوترات الحرجة التي توجد ما بين المراكز cores والهوامش Peripheries واحى الاهتمام الأكاديمي في السياق القديم للتناقض ما بين الأقاليم المركزية، وتلك الأكثر هامشية، والدور الذي يمارسه موقع الشركة في سياق تلك التوترات.

بالرغم من الانتقادات التي طالت عمل كل من هايمر وفيرنون، والتي هي انتقادات تم اعتبارها نقاط بذرية في مجال تحليل الأعمال المتعددة الجنسيات، وذلك لسببين:

فأولا: فإن كل الباحثين، قد أدخلا حالات عدم الكمال السوقية، والعوامل الديناميكية في تحليلهما، وذلك باعتبارها تغيرات في بنيات الطلب، الإبداع، والفوائد التقنية، والفتور في حالة المعلومات حجما ونوعيا.

ثانيا، كل من الباحثين أدرك أهمية الفوائد المقارنة لعنصر الملكية في تفسير "السلوك المتعدد الجنسيات". وكما تم مناقشته أعلاه، فإن عمل كل من هايمر وفيرنون الرائد، لهو ذا أسس ميكرو، حيث إنه يوفر ارتباطات حاسمة بين بنية وسلوك الأعمال المتعددة الجنسيات، وبين التنظيم المكاني شبه الوطني لأنشطتها الاقتصادية. وعلى أية حال، فبالرغم من الصلة الوثيقة التي تُعزو للعوامل التوطنية في العمل الأصلي للباحثين، فالأدبيات اللاحقة في مجال الأعمال المتعددة الجنسيات قد أعطت أساسا تميز للمنظور الاقتصادي المكرو التقليدية لنظرية التجارة الدولية في مجال التعامل مع البلاد كوحدات مكانية رئيسة للملاحظة، وحيث تُعتبر الشركة أوليا تعبيراً فحسب عن قومية محددة.

وبناء على ما سبق، فبينما التكامل ما بين الـ (O) والـ (L) هو تكامل عالي الفعالية، فإن فوائد الـ (L) تُعزو أساسا إلى إما البلاد أو الشركات عبر طريقة غير منتظمة وغير تحليلية، وذلك وفقا للاتجاهات النظرية المختلفة في مجال الأعمال المتعددة الجنسيات. وبشكل عام، فإن جانب الـ (L) لحالة تعددية الجنسيات قد مال لأن تتم معالجته كنوع من متغير خارجي المنشأ، شكلته ملامح وطنية، وليس الأمر قريب جدا، حيث بدأت الأدبيات التجريبية لـ (OLI) والتقليد الاقتصادي حديثًا فقط في التوجه نحو معالجة الاستراتيجيات التوطنية للأعمال متعددة الجنسيات، انطلاقا من منظور إقليمي دقيق.

- مصادر المعرفة ومركزية عنصر الـ (L)

يعود جزء من تفسير التأخر الكبير في الإقرار بدور المساحة في سلوك الأعمال المتعددة الجنسيات لحقيقة أن تأكيد. معظم الاقتصادات والأعمال الدولية، كما رأينا، أعلاه، قائم على إما الاقتصادات المكرو للإنتاج الدولي، أو على خصائص العمليات التي تعد داخلية للشركة. وفيما هو قبل ظهور المرحلة الحالية للعولمة منذ تسعينات القرن العشرين، فإنه أمر واضح أن كلا من هذه الخطوط للتقصي قد تم تحفيزها بشكل مبدئي نتيجة الاحتمالية التاريخية، وذلك بمعنى أن أولويات قرارات الاستثمار الأجنبي من قبل الشركات المتعددة الجنسيات قد تم النظر إليها كونها أكثر ارتباط مع الاختلافات الوطنية والدولية، أكثر منه إلى الاختلافات الإقليمية (شبه الوطنية). وهذا كله يفسر حقيقة أنه، بينما الـ (L) تُعد، فيما يبدو، أمر مركزي للنموذج الانتقائي (OLI) فإن الأسس النظرية له تعتمد على التفاعلات الميكرو، إنما تبدو قد تم تقليل قيمتها بشكل أساسي.

إن قدرا كبيرا من الأدلة المتوفرة والعائدة للعالم الحقيقي، فيما يتصل بالمرحلة الحالية للعولمة، إنما تشير لأهمية متزايدة للأنواع الجديدة للبنايات وللأشكال الجديدة، للتنسيق الاقتصادي، والتي تذهب إلى ما هو أبعد من التميز التقليدي ما بين الشركة والسوق. إن هذه البنيات إنما تتضمن الشبكات، سلاسل القيمة، وعلاقات السوق العائدة لأنواع مختلفة قد نمت إسيا في الأهمية. إن البنيات الاقتصادية، وأشكال الحوكمة إنما تظهر تحديات رئيسة أمام التفسير القائم لمقررات وتأثيرات سلوك الشركات المتعددة الجنسيات. وفي هذه البنيات الشبكية البازغة، فإن كلاً من التجارة الدولية، الإنتاج والمعرفة يحدث ضمن كل من الشركة عبر المساحة وضمن الشبكات، وحيث أن بعض منها يتسم بكونه عالي التركيز، والبعض الآخر هو بقدر كبير متوزع عبر المساحة.

إن مثل هذه التغيرات المستمرة، الضخمة والعميقة قد أثرت بشكل واضح في كل من طبيعة وتشكل فوائد الـ (OLI) وتفاعلاته. وبالرغم من الصعوبة البالغة أمام التفكيك الثنائي لأمثال هذه الاعتمادية، فإننا نجادل بأن التغيرات في البيئة التقنية والمؤسسية العولمية قد كان لها رجع صدى في مجال التوازن ما بين ما يُسمى بالطاولة ثلاثية الأرجل three legged stool. وهذا إنما يؤثر بشكل خاص في مركزية الـ (L) ومن ثم، كنتيجة لذلك، تفاعله مع كل من فوائد الـ (O) و(I).

لقد تم استخدام فوائد ال (O) تاريخيا، بقدر كبير عبر عنصر الاستيعاب الداخلي، (شبكات داخل الشركة)، أو فوائد الـ (I). والواقع أن حالة تعددية الجنسيات النامية إنما تولد في حد ذاتها فوائد (O) جديدة عبر تراكم خبرة وقدرات، وهي التي يمكن استغلالها من قبل كل من طرق داخلية وخارجية، مما يعطي الفرصة لظهور آلية تعزيز لتراكم إيجابي لأمثال هذه الفوائد. ومن جانب آخر، فقد تم حديثا تطبيق وجهات نظر تطورية للتغير التقني على سلوك واستراتيجية الأعمال متعددة الجنسيات، وتأمل في التفاعلات ما بين كل من الـ (O) والـ (L) وهو تأمل وفر أسس لبعض التقدم المميز في حقل الفحص المذكور، وذلك على الأقل في سياقات فهمنا التجريبي. وكما سنرى، فإن فوائد الـ (O) لهي معتمدة بقدر متزايد على القدرة على استكشاف والاختيار ما بين مدى واسع من مصادر المعرفة والنوعية. هذا وامثال فوائد (L) الملموسة بالقدر الأكبر، إنما تعد مركزية بمستوى عالي ومتركز ضمن مواقع محددة، وهي تساهم في تعزيز فوائد الـ (O) ذات الصلة المحددة بالشركة، وهو الأمر الذي يقوي بدوره تلك الفوائد العائدة للدولة الأم، المواقع المستضيفة في ذات الوقت. وإنه لأمر مهم أن ملاحظة أنه عند النظر للفوائد التنافسية عبر عدسات الجغرافيا الاقتصادية، ومن ثم يتم إدراكها كفوائد تنافسية لشركة بعينها ولإقليم بعينه معا، فإن تأثيرات وجود الأعمال المتعددة الجنسيات لهي أقل تقيدا أو مشروطة بالثنائية التقليدية للبلد الأم والبلد المستضيف، وذلك يعود إلى مصادر المعلومات والانفتاحية العامة للاقتصاد المستضيف في سياقات تكون فيها تدفقات مصادر المعلومات الآتية والخارجة قضايا ذات صلة بقدر أكبر. وبشكل مماثل، وكما رأينا أعلاه، فقد تم توجيه تركيز آخر على الانسيبات المكانية، آتية من الوجود المتعدد الجنسيات محليا. ولقد أدى الافتقار الواسع لأي ملاحظة للانسيبات المتلازمة فقط مع الفكرة الغامضة لمفهوم ال (L)، والذي يتم إدراكه هو عامة وبشكل مبدئي في سياقات الحدود الوطنية، مما أدى إلى تحديد الجوانب الخارجية بنوع واحد محدد وإلى اتجاه واحد فقط، وهو الانسيبات التي هي مرسلة من أعمال متعددة الجنسيات للاقتصاد المستفيد، وذلك بغض النظر عن الرابط الحاسم الذي يكون ما بين فوائد الـ (L) العائدة لإقليم بعينه، وبين نمو الشركة ذات الصلة بحد ذاتها.

بالإضافة لما سبق، فإنه أيضا لأمر مثير للدهشة كيف أن التفاعلات المتبادلة بين الـ (I) والـ (L) قد كانت ولا تزال، هي تفاعلات يتم تجاهلها تقريبا كلية. وبدلا من ذلك، فقد تم توجيه قدر رئيس من التركيز من البحث النظري والتجريبي نحو نمو الشركة كنتيجة للكثافة المتزايدة لكل من عنصري الـ (O) والـ (I).

وبالنظر إلى أنواع مختلفة للأعمال متعددة الجنسيات، نجد أنه بالرجوع للأدبيات، فإن هنالك توصية تظهر بوضوح على أنه من الضروري التحرك فيما هو خلف الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) الشركات المتعددة الجنسيات. وبكلمات نيري Neary. "إن التميز ما بين الاستثمارات الأجنبية المباشرة الأفقية وتلك الرأسية لهو أمر مفيد للأهداف التعليمية، وإن كان بطريقة أخرى، ليس أمرا مفيدا لحد كبير". هذا ولا يعكس مثل هذا التمييز الأشكال التنظيمية للعمليات المتعددة المواقع، والتي تنفذها الأعمال المتعددة الجنسيات، ولاتعقدية استراتيجياتها الوظيفية والإقليمية المتكاملة، والقيود التي تواجه فهمنا لمقررات نشاط الأعمال المتعددة الجنسيات والخاصة على وجه الحصر، بمقررات فوائد الـ (O). وبالاستعارة من تصنيف بيرهمان – دننج، فإنه سيكون بدلا من ذلك أكثر ملائمة العمل على تحديد كنه: التنوع المعاصر، لفوائد الـ (L) وتركيبتها واستراتيجيات الأعمال المتعددة الجنسيات، وهي الأمور التي تعد هذه الأيام أمورا أولية، والأصول المحددة، والساعين نحو الأصول الاستراتيجية.

وإننا نتبنى في هذا الكتاب اتجاه مبتدع - مشترك العناصر في دراسة الأعمال المتعددة الجنسيات. وهذا الاتجاه يسمح لنا بأخذ أنشطة هذه الأعمال فيما هو أبعد من أخذ الاستثمار الأجنبي المباشر، ومما يسمح لنا أيضا بأن نضمن، ضمن ملامح أخرى، دور إيجاد المعرفة والتقنية ونشرهما في التحليل. ومن هذا المنظور، فإنه أكثر وضوحا أنه بينما مال كلا من تكاليف المواصلات والتجارة بالتأكيد للتراجع بشكل مميز عبر الوقت، فأن تكاليف الصفقات المتصلة بعناصر إدخال المعرفة والتقنية، لم تتراجع أبدا، بل ارتفعت في عديد من الحالات بالفعل عبر العقود المعاصرة من الزمان. وبناء عليه، فقد زادت أهمية موصلية الأسواق وعناصر الإنتاج عبر السنوات المعاصرة عبر طرق مختلفة، وذلك في سياقات إطار عنصر المعرفة والتقنية. ومن ثم، فإنه لأمر يشجع على مزيد من التوسع الأجنبي، ومدى من عمليات متعددة الجنسيات جديدة. وهذا الأمر يطابق ما يتم ملاحظته من قبلنا (مؤلفو الكتاب) تماما.