الاتجاه الكنزي

لقد تم تطوير افكار العالم الاقتصادي كنز ايضا لفهم الاقتصادات على المستوى الاقليمي. وهنا تركز النظرية المعتمدة على هذا الاتجاه على تخفيف وتخفيض تباينات النمو الاقليمي من خلال توجها لمعالجة القضية الاساسية للتنمية الاقليمية والمحلية. وانطلاقا من الانتقادات التي وُجهت للاتجاه الكلاسيكي الجديد فقد تم التأكيد هنا على فهم وشرح التباعد الاقليمي Regional divergence، أي لماذا تستمر تباينات النمو الاقليمي ويتم إعادة إنتاجها عبر الوقت. وهنا نجد انطلاقا من هذا التركيز ان المفهوم الكنزي الخاص (باللاتوازن) وعدم الاستقرارية القائمين ضمن الاقتصادات الرأسمالية يقول لنا بأن الأسواق بآليتها المفترضة تعد أمر مفاقم للتباعد الاقليمي في النمو، بدلاً من تحسينه وخفض التباينات المكانية في الظروف الاقتصادية والمكانية له، حيث ان لو تُركت قوى السوق تعمل وفق لآلياتها (العرض والطلب) فإن كل من عدم التوازن المكاني في النشاط الاقتصادي ووفورات الحجم scale economies التجمع agglomer ation انما تقود الى تركز تراكمي لرأس المال والعمالة والمنتجات بأقاليم بعينها على حساب اقاليم اخرى، ومن ثم فان التنمية غير المتوازنة اقليميا انما تعد ظاهرة تؤكد على نفسها اكثر من كونها ظاهرة تعمل على تصحيح ذاتها.

ان المعادلة المستعملة في تناول التنمية الاقليمية في الاتجاه الكنزي

إنما تقول بأن هذه التنمية هي محصلة للعناصر التالية:

١- لاستهلاك الاقليمي

٢- الاستثمار الاقليمي

٣- صافي الصرف الحكومي في الاقليم

٤- الصادرات ناقص الواردات

٥- صاففي تجارة الاقليم

ومن ناحية اخرى فإن مفهوم المضاعف Multiplier يأخذ مكان مركزي في الاتجاه الكنزي، حيث أن الاثار المضاعفة انما تعد اداة تعمل كحاجز للنشاط الاقتصادي ضمن الاقتصادات الاقليمية والمحلية، فهي تعمل كأسلوب تراكمي من خلال علاقات آلية الادخال – الاخراج in put out put وذلك ما بين الاطراف المختلفة في الاقتصاد. فمع تلقي الشركة للدخل عبر مدخولاتها نتيجة بيع السلع والخدمات، أو الأسر التي تستلم رواتب مقابل عمل أفراد منها، فإن هذا يولد مزيد من الصرف من قبل الأسر عبر مشترياتها لمزيد من البضائع والخدمات، وهو الامر الذي يؤسس لظهور سلالسل الدخل – الإنفاق، وهي السلاسل التي تتموج خلال الاقتصاد. وبالمحصلة النهائية يزداد النمو وتركزه داخل الاقليم. وتأخذ الاثار المضاعفة للنشاط الاقتتصادي اما شكل مباشر متمثل في زيادات في الدخل القومي وزيادات في الدخل المحلي، منتجات، فرص عمل، كما تأخذ شكل غير مباشر متمثل في حدوث طلب متزايد على السلع المحلية وتلك الاقليمية، الخدمات.

ومن ناحية اخرى فإن هذه الآثار المضاعفة انما تستثير مزيد من الطلب المتزايد والذي يتم ضخه في الاقتصاد (عبر ما يتم ضخه من استثمارات داخل الاقتصاد). وهذا يمكن للمضاعفات ان تكون سلبية ام ايجابية حيث تُمدد او تقلص موجات النمو الاقتصادي ضمن المحليات او الاقاليم. واعتماد على حجم وقوة "المضاعف" فإنه يمكن ان يولد استجابات من داخل المجتمع والاقتصاد عبر تأثيراته المختلفة. وعمومًا فإن المضاعفات يمكن ان يكون لها عدة جولات من التأثيرات، ذو كل قوة وتأثير اقل مقارنة بسابقه.

إن نظرية الدائرة التراكمية السبية انما تؤكد على العوائد المتزايدة فيما يتصل بوفرات الحجم او الوفرات الخارجية وعلى التضمينات الايجابية للنمو للمحليات والاقاليم التي حظيت، منذ بدايات النمو، بالتصنيع. فالمثيرة الاقتصادية الاولية في الاقتصاد، مثل الاستثمار الخاص او العام في مصنع جديد او شبكات مواصلات او مرافق بنية أساسية، انما تولد منافع إيجابية ومضاعفات تعمل عملها في توسعة وتنمية الاقتصاد المحلي والاقليمي، خالقة معها دوائر مختلفة للنمو والتطوير. وبالعكس فإن صدمة اقتصادية كإقفال مصنع، فقدان تنافسية صادرات الاقليم او ارتفاع الاسعار الخاصة بمدخلات الانتاج يمكن لأي منها أن تحول الاقتصاد المحلي والاقليمي لأوضاع سيئة خالقة معها دوائر مغلقة من التراجع الاقتصادي. ومن ناحية اخرى فإن التفاعلات الإيجابية ما بين عناصر الانتاج انما تعمل على تحقيق فوائد ونمو دافع في الاقاليم المتطورة ويكون ذلك غالبًا على حساب الاقاليم الراكدة Iagging Regions، هذا مع ملاحظة ان النمو في الاقاليم الاولى يمكن ان يفيد تلك الاخيرة عبر تأثيرات الانتشار المكاني أو عملية التقطير والتي تتضمن حدوث انتشار للابتكارات التقنية وللأسواق المُصدر اليها منتجات الاقاليم الراكدة. وعلى أي حال فإن الاقاليم الهامشية او الاقل نمو نسبيًا يمكن ان يسودها وجود عمالة ذات مستويات اجور منخفضة، وهنا يجب التنبؤ بان هذه الفائدة الاحتمالية يمكن ان يلغيها وجود وفورات تجمع قوية وقوى جذب مركزية. فكلا الامرين يجذب عناصر الانتاج (عمالة – قطع غيار – رأس مال) الى الاقاليم المتطورة او الاقاليم المركز. ان مثل اثار " الانجراف " هذه انما تعمل على مزيد من تقوية التباينات المكانية في النمو عبر تسهيل تدفقات رأس المال والعمال من الاقاليم الراكدة الى تلك المتطورة. ومن ثم فان الاتجاه الكنزي يقول ان الاستجابات العقلانية لإشارات السوق انما تعمل على تقوية التباينات الاقليمية للنمو اكثر من العمل على تخفيضها، فالتجارة المُحررة انما تكثف اكثر من (التنمية الاستقطابية) ما بين اقاليم المركز – الهامش وذلك بواسطة ما يسمى بالنمو المستثير catalysis growth في الاقاليم المتطورة على حساب تلك الهامشية.


إن النمو الاقليمي غير المتوازي والتباعد الاقليمي في النمو انما يعدان معًا عنصر مركزي في نظرية كنز فيما يتصل بالتنمية المحلية والاقليمية. وقد أكد كل من ديكسون Dixon - ثرلوال Thrilwall على آثار الاستجابات العائدة على نمو الاقاليم نتيجة عمل كل من تنافسية قطاع التصدير والتأثيرات القاضية على المنتج ومزيد من التأثيرات المفيدة فيما يتصف بانتاجية وتنافسية قطاع التصدير. فقد استعرض كلا الباحثان العملية التي تسمى " بتأثير فيردورون" والتي تقول بأن النمو في انتاجية العمال والمنتجات انما يتقوى اكثر بشكل مشترك. وتؤسس نظرية قطب النمو، من ناحية اخرى، على طروحات نظرية " السببية الدائرية التراكمية" ايضا وبخاصة فيما يتصل بالروابط المحتملة ما بين الشركات ذات الدافعية والقادرة على توليد نمو مُستحِث عبر الروابط الداخلية للصناعة inter-industry linkages ، الامامية والخلفية، مع شركات اخرى من خلال سلسة العرض والنمو الصناعي المحلي والاقليمي.


وتشاركاً مع النظرية الكلاسيكية الجديدة فإن النظرية الكنزية في مجال التنمية الاقليمية كان لها تأثير قوى على سياسة التنمية الاقليمية في عدد من الدول. إن امكانية الاسواق في مجال تقوية التباينات الاقليمية في النمو بدلا من ان تخفيضها قد اسست لدور للحكومة خاصة على المستوى الوطني واتباع سياسة التدخل من قبل الحكومة في النشاط الاقتصادي. وعلى النقيض من الاتجاه الكلاسيكي الجديد وسياسته الاقليمية الموسومة بسمة عمل "آليات السوق" الحر فإن النظرية الكنزية لها تاريخ طويل في مجال "السياسية التدخلية" وهو التاريخ الواضح من خلال العمل على تحقيق هدف إعادة توزيع النمو والتطوير من اقاليم المركز الى اقاليم الهامش. وقد تم اعتبار النمو الموجه حكوميًا امر ممكن بسبب الإمكانيات الحكومية في مجال استثارة العوائد على المستوى الكبير. وهنا نجد انه تم السعي نحو تحقيق النمو المتوازن والعادل جغرافيا عبر تأسيس دائر قوية من الادخارات العالية والنمو المرتفع.


أوجه النقد للاتجاه الكنزي في مجال التنمية الإقليمية:

  1. المستويات المرتفعة نسبيًا في الصرف الحكومي والمعتمدة في كثير من الأحوال على الاستدانة التي تولد بدورها معدلات فائدة مرتفعة توجب على الحكومة دفعها عند الإيفاء بأقساط القروض.
  2. حدوث التضخم عبر التوسع النقدي (القيمة الشرائية تنخفض) ونواحي التراجع المالية الحكومية وعدم التوازن المالي.
  3. الحجم الكبير نسبيًا والمدى الكبير من العمل الحكومي المطلوب لإدارة كنزية فعالة للاقتصاد الذي يمكن وصفه بأنه اقتصاد خاص مزدحم.
  4. الضرائب العالية المؤثرة على الدخول.
  5. العولمة التي أضعفت من افتراض وجود اقتصاد وطني منغلق يمكن من خلاله توجيه النمو ما بين الأقاليم من قبل الحكومة.
  6. التشكك في مدى فعالية استخدام إمكانيات قطاع التصدير في التناول الكنزي لقضايا التنمية الإقليمية.