مبادى أولية
أ- مبدأ الموقع المتوسط.
ينبغي على المرء، لفهم مبدأ الموقع المتوسط، أن يفترض ذلك الافتراض المفرط في الخيال، وهو أن عوامل الإنتاج لا تتفاوت فيما بين المواقع البديلة، وأن عنصر التكلفة الوحيد المسموح له بالتفاوت هو تكلفة التسليم للبضاعة. والمصنع هنا إنما يستطيع استيعاب هذا العنصر من التكلفة، وبالتالي يرغب صاحبه في اختيار ذلك الموقع الذي يقلل من تكلفة التسليم إلى حدها الأدنى. ويكون هذا الموقع منطقيا، هو الموقع ذو الربحية القصوى، وبالتالي تمثل تكلفة التسليم الدنيا المتغير، الذي يتعين علينا فحصه. ولنأخذ الآن في اعتبارنا توزيع مواقع المستهلكين الواردة في الشكل (1-1)، أن الافتراض المعمول به هنا هو أن المستهلكين موجودين في مواقع موجودة على طول خط معين، مثل طريق بري رئيس أو نهر. كما يحتوي المثال على اثنتي عشرة وحدة مسافية وسبعة مواقع للمستهلكين (أ، ب، ت، ث، ج، ح، خ). ويصبح السؤال المطروح بالتالي في هذه الحالة، متعلقا بتحديد الموقع الذي يقلل حجم المسافات المتوجب قطعها، أو سعر التسليم للمستهلكين إلى الحد الأدنى. هذا ويلخص الجدول (1-1) الحسابات التي تم إجراؤها في هذا الشأن، فُيرى أن الوقوع في نقطة ث، وهي النقطة المتوسطة يقلل تكاليف التسليم إلى حدها الأدنى. وهنالك مثال آخر يتصل بمنطقة حضرية ضخمة جدًا، محاطة بعدة مراكز أصغر منها بكثير.
جدول 1-1: المسافة الدنيا من السوق بالنسبة للمستهلكين.
إن الموقع المتوسط سيكون هنا ضمن المنطقة الحضرية الضخمة. وهنا فإنه من المحتمل أن تنمو المدن الكبرى بقدر أكبر من غيرها عن طريقة اجتذابها للصناعات الجديدة، وذلك بسبب ميل موقع المستهلكين المتوسط لأن يكون في المدن الكبرى. وعموما، فإن الموقع المتوسط يمثل المبدأ الأساسي في التوطن الصناعي، الذي يُفضل أن يكون في الأماكن الموجودة في مركز سوق المستهلكين.
يظهر في الشكل أعلاه سوق خطي، حيث توجد مواقع المستهلكين في النقاط من أ إلى خ. ويصبح السؤال الذي يطرحه الشكل هو أين توجد المواقع المتوسطة؟
ب- المنافسة السوقية الخطية
لنفحص الآن افتراضا آخر، فحواه أن هناك شركتان، هما "أطلس" و"بسكويت"، والاثنتان تنتجان بنفس التكاليف تماما، وهما يتصفان بتوجهما لسوق خطي، (حيث يتسم الطلب هنا على المنتج بالتماثل على طول الخط). إن هذه الافتراضات، مرة أخرى، تتسم بالغرابة، إلا أن هنالك نقاط جيدة تتصل بها. إن المصنع يدفع هنا تكلفة التسليم، وبالتالي فإن المستهلك إنما يشتري البضاعة بالسعر الأدنى. والسؤال الواجب طرحه بالتالي هو أين يجب على الشركة أن تضع مصنعها؟ لنفترض أولا، وكما يتضح من الشكل 1-(أ)، ان كلا من أطلس وبسكويت توطنا بشكل يسمح لهما باقتسام السوق الخطي. وفي هذه الحالة، فإن الأمر يتصف بأنه على ما يرام، ولكن ماذا إذا قررت شركة أطلس أن تنافس شركة بسكويت محاولة أن تحصل على أكثر من نصف حجم السوق؟ هنا نجد أنه إذا ما كانت شركة أطلس غير قادرة على تخفيض تكاليف إنتاجها، كما سبق لنا وأن افترضنا، فإن الشيء الوحيد الذي يمكنها عمله هو تغيير موقع مصنعها لتصل لهدفها. ويمكن أن تحقق هذه الشركة ذلك بأن تحرك مصنعها إلى موقع بجوار مصنع شركة بسكويت للحصول على سوق هذا الأخير، باستثناء تلك الأجزاء الواقعة على اليمين، كما هو واضح من الشكل 1 (ب) (هذا مع افتراضنا بالطبع، عدم وجود تكاليف متصلة بإعادة التوطن). ومن الواضح بعد ذلك أن تثأر شركة بسكويت من شركة أطلس في مثالنا المتسم بحرية المنافسة، بأن توطن مصنعها مباشرة إلى اليسار من مصنع أطلس، كما يوضح الشكل 2 (ج). وهذا الأمر سينتج عنه تمتع شركة بسكويت بحصة الأسد من السوق.
هذا ويجب أن يكون واضحا لنا، أنه، ومع ظروف التنافس الحاد المُشار إليها، فإن كلتا الشركتين سوف تتجاوز الأخرى إلى أن تصلا إلى حل تنافسي نهائي، كما يتضح من الشكل 2 (د). وهنا تتجمع كلتا الشركتين عنقوديا في ذلك المركز الذي ينقسم عنده السوق إلى قسمين متساويين. ومثل هذا الحل التنافسي إنما يقود إلى أن تكون أسعار التسليم أعلى مقارنة بالوضع الموجود في الحل المبدئي ذو التباعد المتساوي للمتنافسين (الشكل 2-أ). ومن ناحية أخرى، فإن المجموعة الأولى من المواقع في مثل هذا المثال الافتراضي البسيط، إنما تعطي حلا أفضل اجتماعيا، أو من حيث الرفاه الاجتماعي، بينما يقوم الحال في المجموعة الثانية، اعتمادا على قوى السوق الخالصة. هذا وقد يُنظر إلى هذه الحلول على أنها تمثل مواقع مُخططة، في حالة المثال الأول، على أنها تمثل حالة سوق حر أو نتاج عملية غير مُخططة في حالة المثال الأخير.