ثالثا: النظرية المؤسسية
سيتم هنا إعطاء ملخص مركز لهذه النظرية، وحيث سيتم في الفصل القادم من ملف المادة (التوطن الصناعي) إعطاء تغطية كاملة للنظرية بكافة جوانبها.
1- مدخل
تنظر هذه النظرية لموقع وتوطن المصنع كنتيجة نهائية لاستراتيجيات الاستثمار الخاصة بالشركات، لا سيما تلك الضخمة المتعددة المصانع، ومن ثم فموقع أي مصنع هنا إنما يتأثر بالعوامل الخاصة بتكوين وتشكيل استراتيجية الشركة. ويأتي في مقدمة تلك العوامل (خاصة الجغرافية)، ما يلي:
1- الحوافز الداخلية للشركة ذات المدى الطويل.
2- الخبرة المتراكمة والبنيات الإدارية المؤسسية القائمة.
3- الاستراتيجيات الخارجية للشركة.
4- بنيات مؤسسات الأعمال الأخرى وجماعات المصالح وخاصة المنظمات العمالية والحكومات، على مستوياتها (فيدرالية -محلية).
2- التوطن الصناعي في حالة الشركات المتعددة الجنسيات من المنظور المؤسسي:
يمكن تخليص وضع هذا التوطن في النقاط التالية:
أ- لا تعد أمور التكلفة والربح والمجال الجغرافي للمعلومات المُستعملة هي فقط العوامل المؤثرة على التوطن واختيار مواقع الأنشطة. فهنالك عوامل أخرى (مؤسسية غالبا) لا تقل أهمية وهي: مستويات الأجور، الخصائص العمالية الأخرى، معدلات رسوم النقل، مستويات الضرائب، توفر مرافق البنية الأساسية. وكل هذه العوامل هي عُرضة لعملية تقايضية Bargaining تشتمل على الإقناع ومقايضة أمر بآخر. وتعد نتيجة هذه العملية بمثابة مؤثر واضح على اختيار مواقع أنشطة الشركات الصناعية والتوطن الصناعي عامة.
ب- يحصل الخيار التوطني للشركة كجزء من القرارات الاستثمارية التي تتخذها هذه الشركة. وهذه القرارات إنما يتم اتخاذها لتحقيق أهداف استراتيجية، كتحقيق النمو، الأرباح، الأمان، وذلك عبر كسب القدرة على الوصول للأسواق الجديدة أو مصادر توفر المواد الخام أو العمال...الخ. ومن ناحية أخرى، لا يعد الخيار التوطني ببساطة مسألة تحديد خيارات مختلفة وتقويمها، ثم اختيار الأفضل. فالشركات تأخذ في الحسبان، حين تحديد المواقع المطلوبة لأي من أنشطتها، "تقايضات" معينة، اتصالات أو اتفاقات مع العمال، أو مزودي (suppliers) الشركة بعناصر الإنتاج اللازمة، ومع المستهلكين. وبعد ذلك تتم مناقشة للاختيارات التوطنية الممكنة مع مستويات مختلفة من المؤسسات الحكومية. ويُنظر في هذه المناقشات لأمور مثل توفر مرافق البنية الأساسية، مستوى الرسوم الجمركية على مواد الصناعة، تحويل الأرباح لخارج الدولة، مستويات الضرائب، الإعانات، ما هو موجود من قوة محركة، تحليلات التأثيرات البيئة والمطلوب إعدادها من قبل أي شركة تريد ممارسة نشاط صناعي وعند تحديد مواقعه.
ج- يُلاحظ أخيرًا أنه بما أن رأس المال سهل تحريكه من مكان لآخر فإن ذلك يعطي للشركات الصناعية مزايا في عملية المقايضة فيما يتصل بنقابات العمال (أو ممثليهم، أي ما كان نوع الممثلين) و المؤسسات الحكومية المشاركة في هذه العملية.
3- الخيارات التوطنية داخل الدول:
عندما ترغب شركة ما في الاستثمار في دولة ما، أو تنجذب إليها بفعل حوافز تقدمها هذه الدولة، فإنه يتم التقايض بينهما على أساس مقترحات استثمارية محددة. وفيما يتصل بمواقع الاستثمارات المقترحة، نجد أن الدول المضيفة للاستثمار ترغب باستمرار في وضع (توطين) الاستثمارات الأجنبية في أقاليم أو نطاقات اقتصادية معينة محددة سلفا. على أن الشركات المتعددة الجنسيات قد لا تلتزم، في عديد من الحالات، بالتزام محدد تجاه الإقليم المعين من قبل الدولة. كما قد يظهر في بعض الحالات، تضارب بين متطلبات الدول وأهداف الشركة بشأن المواقع، وأيضا قد يحصل ذلك بشأن عناصر توطنية معينة. ومع هذا التضارب، نجد الشركات قد تسعى لإثارة دولة ما ضد أخرى، وذلك للحصول على أفضل صفقة من وجهة نظر الشركات. وهنا نجد الشركة تهدد بالتوجه بالاستثمار لدولة أخرى إذا لم تعجبها مطالب الدولة الأولى فيما يخص مواقع الاستثمار أو غير ذلك من شروطه (المحددة من قبل الدولة). ويمكن للشركة في هذا الصدد المجادلة بأنها ذات معلومات متميزة فيما يتصل بالاحتياجات التوطنية للاستثمار المطلوب، خاصة إذا ما كانت الصناعة المُقترحة جديدة على البلد المستضيف للاستثمارات. ويمكن أن نضرب المثال هنا بإنشاء مصانع للألمنيوم في أيسلندا. فقد قامت شركة "ألوسس"، وهي شركة متعددة الجنسيات قاعدتها في سويسرا، في عام 1969 بإنشاء مصنع للألمنيوم في أيسلندا. ثم بدأت بالتفاوض لإنشاء مصنع آخر هنالك. وقد تركزت المفاوضات على موقع المصنع الجديد. وهنا نجد هدف الحكومة الأيسلندية. وقد تمثل في استخدام هذا المصنع في مجال التطوير الإقليمي بحيث يُمد النمو بعيدا عن إقليم "ركاجامك" الممثل للإقليم الرئيسي في هذا البلد. وطُرح في هذا الصدد خمسة مواقع اختيارية أخرى. على أننا نجد الشركة قد فضلت المواقع الموجودة في الإقليم المذكور بسبب انخفاض التكلفة. بعد ذلك نجد شركة أخرى (أطلانطا) قد تفاوضت مع حكومة أيسلندا على إنشاء مصنع آخر في نفس الصناعة. وهنا نجد هذه الشركة قد وضعت المصنع في موضع قريب من المطار الدولي للعاصمة، نظرا لأن هذا الموقع يوفر قربا للإداريين التنفيذيين للشركة الأم من صناع القرار الحكوميين وللمصنع ذاته. ومرة أخرى، لم يتم الأخذ بالاختيارات الحكومية.
4- التوطن الصناعي كاستراتيجية مقايضة مع العمال:
يمكن أن تكون سياسة التوطن الصناعي على مستوى الدولة الواحدة نوعا من المقايضة الاجتماعية الجيدة لهذه الدولة. فهذه السياسة قد تعزز المساواة الإقليمية الاقتصادية والاستقرارين السياسي والاجتماعي. فالسياسة الإقليمية المتبعة إنما تمنح الشركات الراغبة في الاستثمار داخل الدولة حوافز لكي تختار مواقع لأنشطتها داخل أقاليم محددة. وإذا ما تم ذلك بالفعل، فإنه يمثل صفقة جيدة لمجتمع هذه الدولة. إن هذه الصفقة تنطلق من فكرة أن توجيه الاستثمارات الصناعية نحو الأقاليم الهامشية بعيدا عن الأقاليم القلب (المركز) إنما يقلل من ما يُسمى بالمظاهر الخارجية (externality) السلبية التي يعاني منها هذا الإقليم (المركز( ويزيد من المظاهر الخارجية الإيجابية في الإقليم الهامش. هذا وتتمثل المظاهر السلبية (أو ما يُطلق عليها مُسمى التكاليف الاجتماعية( في التضخم، التلوث، الازدحام، أما تلك الإيجابية فتتمثل في استيعاب العمال العاطلين في قوة في العمل والاستخدام التام لمرافق البنية الأساسية الموجودة.
إيمارنو وميكّان (2013)
تحت عنوان "المضاعفة القصوى البديلة والسلوك التوطني" يقول كلا من إيمارنو وميكان (2013) أن أنواع مضاعفات الجدليات السلوكية الخاصة بالخيارات التوطنية للشركة يمكن وصفها من خلال معطيات الشكل (2 – 14)( )، والذي يمثل مساحة جغرافية ذات بعد واحد (بَ – ت) وحيث تتراوح هذه المساحة بشكل مميز في سياقات: عنصر تكاليف الموقع المحدد (ت م) وعوائد السوق المحدد للموقع (س ع). وفي الشكل المذكور، فإن المناطق التي يتم عبرها حصول أرباح إيجابية، أي كون الـ (س ع) أكبر من (ت م)، والمعروفة بُمسمى "الهوامش المكانية للربحية" (رواسترون 1958 Rawstron,)، ومن ثم فهي تمثل المناطق الجغرافية التي يمكن للشركة أن تتوطن بها وتكون ذات ربحية. وكما نرى من نفس الشكل، فإن أشكال وظائف التكلفة المكانية وتكلفة العوائد هي ليست خطية مختلطة ولا متماثلة عبر المساحات الجغرافية ذات البعد الواحد، وهذا لافتقاد السمة التماثلية وهو ما يؤدي لظهور استراتيجيات توطن بديلة، وذلك طبقا لطبيعة عمليات صنع القرار بالشركة وقراراتها.
في الشكل (2 - 14) يظهر لنا عالما مثاليا، حيث تكون الشركة ذات معلومات تامة فيما يخص منحنيات التكلفة المكانية والعوائد المختلفة، وحيث تكون أهداف عملية صنع قرار متعارضة. وهنا نجد أن نماذج نظريتنا للتوطن تشير ضمنا إلى أن الشركة سوف تتحرك دوما إلى النقطة (ح). وعلى أية حال، فإنه في حالة بيئة ذات معلومات محدودة وأهداف متعارضة ضمن المنظمة، نجد أن السلوك التوطني الفعلي للشركة سوف يعتمد على الهدف المحدد المهيمن للشركة. فعلى سبيل المثال، إذا ما كانت الشركة تستهدف المضاعفة القصوى لأرباحها على المستوى القصير، فإنها ستتوطن في النقطة (ب)، حيث تتم مضاعفة الاختلاف الإيجابي ما بين وظيفة العائد الكلي ( س – ع = سياق العوائد) ووظيفة التكلفة الكلية. ومن جانب آخر، فإنه إذا ما كانت الشركة تستهدف المضاعفة القصوى للمبيعات، فإنها سوف تتوطن في النقطة (ح)، أما إذا ما كانت الشركة تستهدف أن تقلل تكاليف الإنتاج للحد الأدنى، ومضاعفة كفاءة الإنتاج إلى الحد الأقصى، فسوف تتوطن في النقطة (ك).
إن ما سبق الحديث عنه من حجج، والتي تتصل بافتقاد وجود الوضع المثالي، اتصالا بالسلوك التوطني للشركة، قد تمددت لتشتمل على قضية إعادة التوطن re-location للشركة. إن العلاقة ما بين تغير الموقع الهامشي وربحية الشركة في تلك المناطق إنما تظهر نتيجة الاختلافات في وظائف منحنيات الدخل المكاني - التكلفة المكانية كتغييرات توطنية. وفي الهوامش المكانية للربحية، حيث تتسم وظائف منحنيات الدخل المكاني والتكلفة المكانية بكونها مسطحة، فإن الفائدة الهامشية لإعادة التوطين سوف تكون منخفضة جدا. وعليه، ففي حالة تكاليف إعادة التوطين للشركة، سوف لن تتحرك لموقع أمثل حتى لو كانت الشركة تعرف أي من البدائل هي الأفضل. وفي حالة ظروف المعلومات غير التامة والعقلانية المقيدة، والأهداف المتعارضة، وتكاليف كبيرة لإعادة التوطن، فإن مؤشرات الاتجاه السلوكي إنما تجادل أنه ما أن قامت الشركة باختيار موقع، فإنها ستميل لأن تستبقي هذا الموقع، وذلك ما دامت الأرباح إيجابية. هذا، ونادرا ما يتم استخدام إعادة التوطين كسلاح تنافسي. وبشكل خاص، فإن الشركات ليس من المحتمل أن تعيد توطنها كاستجابة للتفاوتات الصغيرة في عنصر الأسعار أو دخول السوق، كما لا يكون احتمالا أن تعيد الشركات توطنها كثيرا، كما تمت ملاحظته سابقا. ويعود السبب الرئيسي وراء ذلك إلى أنه في بيئات ذات معلومات محدودة، نجد أن التعرض لتكاليف إعادة التوطن كبيرة إنما يولد مخاطرة كبيرة للشركة، والتي ستكون بالتالي غير راغبة في وجود أمثال هذه التكاليف، (إلا إذا ما كان الأمر مقنعا جدا اتصالا بتميز الموقع البديل)، ولا حتى سوف تسعى الشركة للشروع في إحداث "توافق توطني" عبر إعادة تنظيم حصص الموارد والأنشطة ما بين مجموعة مصانعها القائمة حاليا. فهذا النوع من إعادة التنظيم ضمن أنشطة المصانع المتعددة إنما سيكون بتكاليف أقل الشركة مقارنة بإغلاق المصنع وإعادة توطينه. وهذا السلوك شائع جدا ضمن البُنيات التنظيمية للشركات متعددة المصانع، والتي تعد بُنيات تقليدية في حالة الأعمال متعددة الجنسيات. ومن جانب آخر، نجد أنه حيثما كانت تكاليف إعادة التوطين منخفضة جدا، فإن الشركة ستكون راغبة في الحصول على الفوائد الحاصلة من اختلافات العوائد المكانية والتكاليف، وستكون قادرة بسهولة على تبني إعادة توطين كاستراتيجية تنافسية.
وعند هذه النقطة، نجد أن هنالك عدة قضايا يمكن إبرازها اتصالا بالعلاقة ما بين العقلانية والحالة المثلى في سياقات السلوك التوطني. فأولاً: يظل منطق التوافق التوطني للشركة متعددة المصانع يحتاج لأن يُقاد من خلال ذات التكلفة، واعتبارات الدخل التي تمثل أساس لنظرية التوطن. وعليه، تظل حججنا في مجال نظرية التوطن صحيحة في سياقات تفسير أين يجب أن تُوطن الشركة استثماراتها وأنشطتها، وذلك من أجل ضمان معدلات عالية من العوائد على رأس المال المستثمر. إن الشركات التي عملياتها للتوافق التوطني تتبع منطق نظرية التوطن، إنما سوف تحصل على نتائج التوافق التوطني، والتي تعد أعلى من تلك التي على وجه النقيض.
وثانياً فإن حالة الحذر التي تبديها بعض الشركات في سياقات قضايا إعادة التوطين سوف تعتمد على مستوى "تكاليف الإغراق sunk costs" والتي قد تحصل ارتباطا مع أي قرار لإعادة التوطن. وهذه التكاليف هي تلك التي تحصل للشركة التي لا تستطيع أن تتعافى، ما أن يأخذ عنصر التوافق، أو استثمار بديل، محلا. وفي حالة سلوك إعادة التوطن للشركة، نجد أن تكاليف الإغراق هذه يمكن أن تكون غالبا مهمة جدا. وبشكل مغاير، فإنه إذا ما كان كل أو أغلب التكاليف المذكورة على، يمكن استردادها بسهولة بعد إعادة التوطين، فإن الشركة تكون مهيئة لسلوك سلوك إعادة التوطين. فعلى سبيل المثال، إذا ما كانت البنية الأساسية لرأس المال capital infrastructure ومرافق الشركة، يمكن تفكيكها وإعادة تجميعها بسرعة، أو إذا ما كانت عمالة الشركة يمكن إعادة توطينها بسهولة، أو توظيف عمالة جديدة وتدريبها بشكل سريع، فإن الشركة سوف تستخدم إعادة التوطين بسهولة كسلاح تنافسي، وحتى مع أن التكلفة الأمامية up – front cost ( ) المتلازمة مع إعادة التوطين قد تظل مهمة جدا. أكثر من ذلك، فإن عديد من التطورات الحديثة في التقنية التجارية للبناء، مثل عمليات إنشاء حاجزة trunky construction operations ( )، أنظمة ما قبل التصنيع Prefabrication Systems.، البناء الجزئي modular construction، الخدمات العقارية، توفير المكتب بخدماته serviced Office provisions،( ) هذا فضلا عن التناغم الدولي ومعيارية تقنيات البناء، كل هذه التطورات هي اليوم مُصممة لتسهيل عملية إعادة توطين الشركة. وهذه التطورات سوف تشير ضمنا بالتالي، إلى أن عديد من موانع تكاليف الإغراق القائمة أمام سلوك الشركة لإعادة التوطين قد تصبح نسبيا أقل أهمية عبر الوقت بالفعل.
الاختيار التنافسي للإيكان، واستراتيجيات توطن أتباع القيادة.
إن كلا من استراتيجيات السلوك التوطني، والتي تمت مناقشتها أعلاه، إنما تعاني من نقطة ضعف حيث لا تشير إلى سبب اختيار شركة ما موقع محدد أساسا، وذلك عكس نماذج التوطن الأخرى. ومن هذه النقطة، فإن الاتجاه السلوكي لا يعد اتجاه توجيهيًا. وعليه، فإنه من الضروري إعادة النظر في نماذج مضاعفة الربح للحد الأقصى و المتسمة بالبساطة، وذلك في ضوء الانتقاد الموجه للاتجاه السلوكي ذو العقلانية المقيدة، المعلومات غير التامة، الأهداف المتعارضة، وتكاليف إعادة التوطن، حيث أن كل هذه العناصر هي ملامح تعد بشكل خاص خصائص للاقتصاد المكاني. ومن أجل حدوث ذلك، يمكن لنا أن نقف جانبا لدقيقة مبتعدين عن القضايا التوطنية، ونأخذ في الاعتبار طرح الإيكان الخاص بالاختيار التنافسي الأصلي، كما يمكن تطبيقه لأي شكل من أشكال المضاعفة القصوى العقلانية. وعليه، يمكن لنا إعادة الاعتبار لهذا الطرح، خاصة في سياق السلوك التوطني.
إن اتجاه الإيكان يقول بأن سلوك الشركات في ظروف حالة عدم التيقن uncertainty يمكن فهمه بمناقشة العلاقة ما بين الشركة وبيئتها. فهنا نجد بيئة شركة تشتمل على كل العناصر، المعلومات، المؤسسات التي تتنافس وتتعاون في مجموعة محددة من الأسواق حيث تدير الشركة عملها. وفي إطار طرح الإيكان، يمكن لنا تمييز "اقتصاد عدم التيقن" من خلال نوعين عرضيين من البيئات: بيئة تكيفية - بيئة تبني. و هاتين البيئتين لا يُقصد رؤيتهما حصريا بشكل تبادلي، ولكنهما يعملان نظريا كطرفين مؤسلبين لمُتصل continum، وهو متصل موجود حيثما يوجد الاقتصاد الحقيقي.
في حالة بيئة الإيكان الخاصة بالتبني، فإن كل الشركات هي، بالأكثر أو بالأقل، أقل مماثلة لكل منها، وذلك عائد إلى أنه لا توجد شركة ذات فوائد معلوماتية محددة أو مجموعة متماسكة من الأفكار والمبادئ مقارنة بأي شركة أخرى. هذا وتشير نتائج العملية التنافسية، ضمنا، إلى أن بعض الشركات تكون مسبقا ناجحة عكس الحال مع الشركات الأخرى. وبالرغم من أنه لا توجد شركة مفردة ذات معلومات مسبقة تتصل بأن منتجات أو تقنيات هذه الشركة تتسم بكونها أفضل من تلك الخاصة بمنافسي هذه الشركة. وهذه السمة المميزة للاقتصاد هي أساسا "داروينية" (نسبة لأفكار داروين)، وذلك من حيث أن البيئة إنما توجد كحالة تبنى في الشركات التي تتلائم بشكل أفضل مع احتياجات الاقتصاد، وذلك بالرغم من أن الشركة ليست ذات معلومات محددة مسبقا. ومن خلال السياقات الإحصائية، فإنه في أي فترة زمنية في بيئة التبني هذه، نجد أن احتمالية كون شركة مفردة محددة تصدر قرارا استراتيجيا ناجحا لهي احتمالية مماثلة لتلك العائدة لكل الشركات المفردة الأخرى. وعلى وجه النقيض، وفي حالة بيئة التكيف لإيكان، فإن بعض الشركات المفردة قادرة على جمع وتحليل معلومات السوق بقدر أكثر كفاءة وفعالية مقارنة بالشركات الأخرى، وذلك ببساطة عائدًا إلى حجم الشركة. فالشركات الضخمة هي عامة قادرة على استخدام الموارد من أجل الحصول على المعلومات، ومعالجتها، ذات الصلة ببيئة سوقها، وذلك بغرض الاستخدام اللاحق باستخدام أمثال تلك المعلومات لصالح الشركة. وفي السياقات الإحصائية، وفي فترة محددة في بيئة الإيكان للتكيف، نجد أن احتمالية أن تصنع شركة محددة قرارا استراتيجيا ربحيا، لهي احتمالية متزايدة بفعل حجمها.
في العالم الواقعي للشركات متغايرة الخصائص وذات المعلومات غير التامة، فإن الشركات الأصغر ستميل لأن تنظر لنفسها ككيانات ذات حالة عدم استفادة من المعلومات مقارنة بالشركات الأكبر حجما. وعليه، فإن الشركات الأولى ستميل لأن تتخذ قرارات تكون إما محاكية أو متماثلة مع تلك التي تتخذها الشركات الأكبر، وهذا في حالة أمور مثل الأساليب، البروتوكولات، الفورمات والتقنية. وجزئيا، فإن هذا الوضع عائد لكون هذه الشركة إنما تنظر إلى كبار السوق على أنهم أفضل من يظهر توجهات ظروف السوق. وأيضا يعود هذا الوضع، بسبب أن سلوك كبار السوق، في حد ذاته، غالبا ما يساهم بشكل كبير في البيئة الاقتصادية الكلية، وذلك عائدًا بالتبعية لأحجام الشركات. بمحاكاة سلوك الشركات الأكبر، فإن الشركات الصغيرة، ومن ثم إدراكها بأنها سوف تضاعف للحد الأقصى أرجحية نجاحاتها، وتكون النتيجة هي أن الشركات الكبيرة تميل للتغلب على حالة "عدم التيقن"، وذلك من خلال جمع المعلومات وتحليلها. بينما تميل الشركات الصغيرة للتغلب على حالة عدم التيقن من خلال المحاكاة.
ويعد نوع سلوك القائد – التابع، المُقترح من قبل إطار طرح الإيكان، سلوكا شائعا في عديد من نماذج احتكار القلة oligopoly وعدم التيقن uncertainty ، ولكن إلى هذا الحد فإن منطق إليكان لم يتم وضعه في سياق الجغرافيا وذلك بالرغم من كون هذا المنطق وثيق الصلة بشكل خاص بأسئلة التوطن. وفي حالة بيئات عدم التيقن، فإن الشركات الأكبر سوقا تكون عامة ذات معلومات وموارد مالية تمكنها من اتخاذ مزيد من قرارات التوطن المعتبرة مقارنة بالشركات الصغيرة. بكلمات أخرى، فإن القرارات التوطنية للشركات الكبيرة سوف تكون أكثر قربا لتلك القرارات التي وصفتها نماذج ويبر وهوتلانج، وأخذا بأن هذه الشركات هي عامة، ذات موارد كافية تمكنها من تقييم مضاعفات التكلفة والعائد لخياراتها التوطنية المحتملة. وهذه الشركات سوف تحاول اتخاذ قرارات عقلانية ومثلى، والنتائج التي تنتجها خياراتها التوطنية يمكن تحليلها بقدر كبير بواسطة أنواع نماذج كلاسيكية و نيوكلاسيكية، كما تم شرحها أعلاه. ومن جانب آخر، فإن الشركات الصغيرة سوف يتم وضعها موقعيا عامة، حيث ما كان مؤسسيها مقيمين أساسا. ولن يكون هنالك قرار توطن مبدئي جلي مثل ذلك الذي تم اتخاذه عند بداية عمل الشركة. على أنه، وعبر الوقت، نجد أن المنافسة بين الشركات سوف تكون جزئيا نتيجة للاختلافات المكانية في التكاليف والعوائد، وسوف تصبح العلاقة ما بين الربحية والتوطن في النهاية قضية عملية صنع قرار. واتصال بقرارات التوطن اللاحقة، نجد أن هنالك عديد من الشركات الصغيرة سوف تميل لأن تختار مواقع قريبة من الأسواق الكبيرة الرئيسة، وذلك لأسباب فصلها إليكان. ومن ثم، فإن المحاكاة يمكن أن تتم في سياقات السلوك المكاني. فبالنسبة للشركات التي هي شركات تنأى عن المخاطر risk - averse، كما يظهر من نماذج هوتلنج وسالوب Salop فإن هذا الأمر يمثل استراتيجية جيدة بشكل خاص لثلاثة أسباب:
أولاً: أن التوطن بالقرب من المنافسين إنما يضمن أن تكون الحصة السوقية للشركة المفردة ليست أقل من تلك العائدة لشركة مكافئة لها.
ثانياً: إن التمركز العنقود المترابطة عناصره بقدر من التنوع، يحد أيضا من المشاكل المترابطة مع حروب الأسعار.
ثالثاً: إن مثل سلوك التمركز العنقودي هذا يمكن أن يسهل كل أنواع الفوائد الإضافية من الجوانب الخارجية للشركات externalities. هذا ويُلاحظ بأن التجمع العنقودي للشركات الصغيرة الموجودة حول تلك الكبيرة، لهو تجمع يحظى بالملاحظة العامة كثيرا.