نظريات التوطن الصناعي

تقوم نظريات التوطن الصناعي على أساس أو انطلاقاً من فهم محدد لخصائص المستثمر الصناعي وبناء على هذا الفهم يتم وضع مفاهيم تلك النظريات والياتها في تفسير التوطن الصناعي. وهنا تختلف تلك النظريات في افتراضاتها عن ذلك المستثمر فالنظرية الكلاسيكية للتوطن الصناعي تقول بأن رجل الأعمال الصناعي هو انسان تتوفر فيه عديد من الخصائص المثالية التي تتيح له القدرة على اختيار الموقع الأمثل لمصنعه اي الموقع الذي يحقق له اقل تكلفة إنتاجية وأعظم عائد مادي مما ينتج أعظم ربح له. وهذه السمات يمكن تلخيصها في ان رجل الاعمال لديه كل المعلومات الخاصة بالمشروع الذي ينوي إقامته سواءً من حيث حجم ونوع ومصادر مواد الصناعة وقطع الغيار وغيرها من مستلزمات الصناعة كما انه يستطيع ان يُحسن تفسير تلك المعلومات واستخراج مؤشراتها الصحيحة فيما يتصل بتحديد الموقع الأمثل لمصنعه. كما ان هذا الرجل على معرفة تامة بمصادر تلك المعلومات فضلا عن موائمته التامة للمتغيرات البيئية في المنطقة التي يختار فيها وضع مصنعه.

خلاصة القول ان رجل الاعمال في مفهوم النظرية الكلاسيكية هو سوبرمان قادر على كل شيء، حكيم لديه دقة متناهية ويُصطلح على هذه السمات بأنها سمات "الرجل الاقتصادي". فرجل الأعمال في عرف النظرية الاقتصادية هو رجل اقتصادي. Economic man

تنظر النظرية الحديثة للتوطن إلى رجل الأعمال على أنه إنسان عادي يمكن له أن يخطئ ويصيب لديه الرغبة في الربح، ولكن قد يكون لديه الرغبة في الحصول على أمور أخرى مثل الرضا النفسي والاجتماعي، وهو ليس قادر تماما في كل الأحوال على تحديد الموقع الأمثل للموقع، كما أن الربح ليس هو هاجسه الأوحد كما تفترض النظرية الكلاسيكية، واعتمادا على أن رجل الأعمال هو في عرف النظرية الحديثة يسعى لإشباع احتياجات مختلفة من مادية ونفسية واجتماعية، فقد أُصطلح على تسميته بالمشبع.satisfier

انطلاقا من هذه المفاهيم فقد طور الباحثون عدد من النظريات التي تسعى إلى تحديد السبب الرئيسي الذي يحكم اختيار موقع المصنع وذلك أنه بالرغم من تعدد عوامل الصناعة أو عوامل التوطن الصناعي. إلا إنه يوجد في الغالب عامل واحد يكون ذا أهمية أكبر من غيره في تحديد الموقع الصناعي. وقد ظهرت نظريات التوطن الصناعي بناء على جهود عدد من الباحثين، وحسب التطورات الحاصلة في مجال مناهج الجغرافيا. فقد ظهرت في البداية النظريات الكلاسيكية للتوطن الصناعي، ثم لحقتها النظرية السلوكية، والتي تمثل تيارا حديثا في مجال جغرافيا الصناعة بل عموم الجغرافيا البشرية.

وأخيرا، فهنالك النظرية المؤسسية، ضمن النظرية الأكبر لتوطن الشركات المتعددة الجنسيات. وعموما، فإنه من المهم تفحص أي من وكل نظريات موضوع التوطن الصناعي.

إن المبادئ التوطنية إنما تنطبق بشكل أو بآخر، على عدد ضخم من الحالات الدراسية التجريبية. هذا وتبدأ معظم نظريات التوطن بفرضيات معينة تتسم بالبساطة، وذلك كطريقة للتحكم في المتغيرات المعينة. ويمكن الوصول إلى هذا التحكم، في البحث الجغرافي، فقط بوضع فرضيات مؤداها أن هنالك ظروفا معينة تتسم بالثبات، ومن ثم، يُبدأ في ملاحظة آثار المتغيرات الأخرى غير الثابتة.